إبداعات الكتاب

قراءة في رواية أغنيات للعتمة للكاتبة اللبنانية إيمان حميدان

بقلم: د. رﺟﺎء ﺻﺎﻟﺢ اﻟﺠﺒﻮري

” كل العائلات السعيدة تتشابه، لكن لكل عائلة تعيسة طريقتها الخاصة في التعاسة ”
ليوتولستوي

بلغة واضحة ومباشرة، خالية من التعقيدات والمفردات الصعبة، وأسلوب سردي يعتمد على التعبير البسيط الذي يسهل فهمه، مما يجعل القراءة سلسة وموصلة للأفكار دون إرباك أو تعقيد .
تحكي لنا إيمان حميدان حكاية أربعة أجيال من النسوة بدءًا من جدة الأم ثم الجدة ثم الأم ثم البنت واصلة بذلك جميع حلقات السلسلة ببعضها لتبدو كقصة واحدة توهمك للحظة أن شهيرة هي ذاتها ياسمين وياسمين هي ليلى وليلى هي أسمهان ، كأنها فتاة واحدة تلعب دور أربعة نساء عشنَ في أزمنة وأمكنة وظروف مختلفة ،ستعيد النظر في مسألة أن النكبات والانكسارات تورث جيلًا بعد جيل ، وأن الجامعة التي ارتدتها والثياب العصرية التي عليكِ سيدتي لا تمنع ان تكوني نسخة من جدتكِ التي رحلت قبل عقود ، الفرق الوحيد هو أنك أكثر هشاشة منها !
تبدا الحكاية في ربيع ١٩٠٨. حين تموت صفاء الأخت الكبرى لشهيرة ذات الأربعة عشر عامًا ليكون لزامًا على شهيرة أن تحل محل الأخت الراحلة إذ لا أحد أولى بأبناء الأخت من خالتهم ، تُجهز العروس على وجه السرعة بمراسيم أقرب للحزن والحداد منها للفرح والزغاريد لتزف إلى أرمل أختها مخلفة قصة حبها الفتية ليزيد ابن المعلمة التي درّستها الابجدية ومبادىء الحساب قبل خريفين ، تترك شهيرة قريتها أجمات ولا تعود اليها ثانيةً ابدًا لتصبح فردًا في عائلة الدالي وجزءاً من مجتمع كسورة ، تصطبغ بصبغة المكان الجديد وتندمج في عالم اكواز الصنوبر ومواسم جني الزيتون ، لكنها تظل تحلم بحقول القمح في أجمات وتحن للأغنيات التي كانت النسوة يرددنها أيام الحصاد وفي الافراح وحتى الأتراح مع تغيير بسيط في ايقاع الاغنية لتتحول من ترنيمة حب إلى نعوة وداع ، ربما رأت إيمان ان الفرح حتى الفرح يسكنُ بداخله شيء من حزن …لا ادري !؟
تستعرض لنا إيمان في سردها الزمني المتسلسل كيف تغيرت هموم المرأة اللبنانية في المئة عام الاخيرة ، شهيرة التي ماتت وهي تهذي بخوفها من عودة الجراد الذي قد ياكل القوت ويترك الناس جياع، وياسمين التي قطفها الموت بعد ولادة متعثرة قبل ان تحقق حلمها في اقتناء ماكنة خياطة، ثم ليلى التي رشفت كأس الحرية فسكرت بخمر حرية كاذبة لا تتعدى سطور الروايات التي أدمنت قراءتها لتنصدم بواقع لا يشبه ما قرأته تنفصل بعدها عن واقعها حين يسربلها الاكتئاب، ثم اسمهان التي عاشت الحرب والتهجير والاجتياح والقتل على الهوية وبدونها .
لقد كانت قراءتي للرواية رحلة رائعة عبر تاريخ لبنان .

اقتباسات من الرواية
«هكذا نحن نساء عائلة الدالي: نرحل، أو نصمت، أو نجن، أو ببساطة نموت قبل الأوان كأزهار الكرز»
«تركت بيروت ورائي مدمرة راكعة حزينة فاقدة روحها وناسها وشبابها . هي ماضي الذي ما عدت أفهمه. أحتاج إلى أن أفهم كي يغدو الرحيل حقيقة. لا يكفي أن ننتقل من مكان إلى آخر كي نرحل الرحيل يحدث هنا أولاً، داخل القلب والرأس. هنا في جسدي. تجف الروح كما تجف الشوارع من الماء والشجر والطيور، من نفحة الحياة ولمسة الألفة من الحبّ الذي يرى نفسه في المرآة ويبتسم. من الأصدقاء وأصواتهم.»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى