كان صديقي مستغرباً لأن كذبة ما مُررت إلى عقله دون ان يحزر انها ليست الحقيقة، فقد كانت مطعمة بشذرات من من الواقع وضعت خصيصاً لتحمله على التصديق .
لم يكن صديقي مدركاً إنها ليست كذبة واحدة بل آلاف الأكاذيب من أحجام ومقاسات مختلفة .=بعضها أبيض وضِع لأهداف سامية ومآرب سلمية ، وتتدرج البقية بطيف لوني واسع حسب مستوى الشر المرمي إليه وراء كل كذبة .
يعمل صانع الكذبة بجد على صقل سرديته ،وتشذيبها ،واخفاء نقاط ضعفها ،ورأب صدوعها ،وسد ثغراتها ،لتأتي على هوى المتلقي،.
كذبة على المقاس ، لاتحوم حولها اية شكوك، ولا ترفرف على أبراجها أعلام حُمر ، لأن من صنعها عمل جاهداً لتأتي كقطعة الاحجية المطلوبة لسد هذه الثغرة من عقلك ،فتطابق تضاريسها الاخاديد والحفر في عقل المتلقي كتطابق القفل مع المفتاح ، لانها وبكل بساطة صنعت بحب ، فالاكاذيب ايضاً تُعد بحب مثلها مثل الخبز والبامية والتشريب .
وعلى الضفة الاخرى تقف الحقيقة بوجهها العاري من مساحيق التجميل ، الخالي ابر البوتوكس والفلر ،مسفوعاً بشمس الواقع المر ، وقد حفرت الايام الصعاب اخاديدها في ملامحها بعمق ، فنشيح بوجوهنا عن الوجه المتعب للحقيقة المُرة لأنه يذكرنا بانعكاس صورنا في المرآة ، التي نتهرب من النظر اليها كلما مررنا قبالتها .
كما انها قد لا تتحلى بالمنطق لان الواقع لا يخضع دوماً لسلطة المنطق السليم ، عفوية وشفافة لا تعرف المداهنة وتزويق الالفاظ ، فتطرح على مائدة الحوار بزوائدها التي لم تخضع للاقتصاص ، بشحوبها وتجاعيدها التي لم تُعالج ، وفتوقها التي لم ترتق ، تأتي كقطعة خبز جاف لا تُلاك ولا تزدرد ، ناهيك عن كونها مرة . فلنفظها وندور حول أنفسنا نبحث عن كذبة سائغة . نبتلعها بضمير مستريح .
الاكاذيب تبدو منطقيةً و أكثر تصديقاً من الحقائق.