مقالات الكتاب

الرواية التفاعلية.. هل يفسد تفاعل القراء متعة الكتابة؟

بقلم: عبد الواحد استيتو

بقلم: عبد الواحد استيتو – روائي مغربي
حاصل على جائزة الإبداع العربي – فرع الأدب – عن أول رواية عربية فيسبوكية

من الواضح أن كتابة الرواية التفاعلية مغامرة حقيقية. ومجرد الإعلان عن إطلاق رواية من هذا النوع يضع الكاتب أمام تحديات حقيقية: هل سأستطيع فعلا مواكبة إيقاع النشر؟ متى يمكن أن أشرك القارئ؟ وهل سأستجيب حقا لرغباته وملاحظاته أم سأستشيره وأخالفه؟
لكي لا يكون المقال مجرد حديث نظري، سأنطلق من تجربتي في كتابة أول رواية فيسبوكية تفاعلية عربيا، وهي فرعٌ من فرعٍ في الأدب الرقمي، فالرواية قد تكون رقمية دون أن تكون تفاعلية بالضرورة، كما أنها يمكن أن تكون تفاعلية دون أن تكون «فيسبوكية».
أولا، لماذا فيسبوك؟
هناك أسباب ذاتية دفعتني للكتابة على فيسبوك، أولها وجود متابعين فعلا لصفحتي الشخصية، مما سيسهل وجود قراء لاحقا على صفحة الرواية، كما أن الموقع يوفر خاصيات تقنية عديدة وبشكل سلس يسهل النشر من جهة، وإشراك القارئ من جهة أخرى.. وقد تحقق كل هذا فعلا.
فقد مكنني الموقع من الاطلاع على تعليقات القراء طبعا، ونشر صور أماكن الرواية، وروابط لأغاني وفيديوهات تتعلق بأحداثها، إضافة إلى استطلاعات الرأي التي قرر فيها القراء معي مصير البطل، وهو أهم أنواع التفاعلية التي يوفرها فيسبوك في نظري.
إيقاع النشر.. الهاجس الأكبر
عندما نتحدث عن رواية فيسبوكية، نتحدث بالضرورة عن قارئ «فيسبوكي»، وهو في أغلبه قارئ سريع النقر على ما أمامه، سريع الملل، وبالتالي فلا الفصول ينبغي أن تكون طويلة، ولا الفارق الزمني بين فصل وفصل كذلك.
في تجربتي الأولى في كتابة رواية «على بعد ملمتر واحد فقط» (صار اسمها الفرعي «زهرليزا» لاحقا، باقتراح من أحد القراء في التعليقات)، لم أكن قد حددت إيقاعا واضحا للنشر، بل كنت أنوي أن أنشر الفصول كلما وجدت الرغبة في الكتابة.
لكن ما حدث أن القراء أبدوا انزعاجهم من التأخر في الأيام الأولى، وبدأت تصلني رسائل وشكاوى من قراء يتململون وينتظرون الأحداث التالية.. وهم لن ينتظروا دهراً طبعا. هناك آلاف الأمور الأخرى المسلية على فيسبوك، والتأخر أو التجاهل يعني فقدان القراء الواحد تلو الآخر.
حتى من الناحية التقنية، فإن خمول الصفحة وقلة نشاطها يجعلها تتراجع في الظهور لدى المتابعين.
لذا، ألزمت نفسي بكتابة فصل كل يومين، مع الحفاظ على إيقاع مرتفع في الأحداث عند نهاية كل فصل، بحيث يبقى القارئ متلهفا لقراءة الفصل الذي يليه وهكذا.
أقر أن التجربة كانت مرهقة جدا، لكنها أيضا كانت ممتعة، فإيقاع النشر السريع يفرض عليك استعمال أسلوب جزل بسيط، سهل ممتنع، موجه لقارئ يركز على الأحداث والشخصيات بالدرجة الأولى.
القارئ الفيسبوكي.. متفاعل أم مشارك؟
في أغلب أحاديثي ونقاشاتي حول الرواية الفيسبوكية أجد نفسي محاصرا بسؤال: لماذا توقع هذه الروايات باسمك وقد «أشركت» فيها الآخرين؟ أليست بهذا تنسب الفضل لنفسك متجاهلا القراء؟
يتعلق الأمر بخلط بسيط ومتكرر بين الرواية التشاركية والتفاعلية، فالتشاركية هي التي يشارك فيها أكثر من كاتب، وربما أكثر من قارئ، بحيث يحيكون أحداثها جميعا بالاتفاق بينهم.
بينما الرواية التفاعلية يكتبها كاتب واحد، هو من ينسج الأحداث ويكتب الرواية من الألف إلى الياء، ولكنه يمنح القارئ فرصة لم تكن متاحة في الرواية الكلاسيكية، وينقله من جانب المتلقي السلبي إلى جانب المتلقي الإيجابي، بحيث يمكنه أن يشارك في التعليق على كل فصل وإبداء رأيه، كما يمكنه – عندما يقرر الكاتب ذلك – أن يصوّت لصالح تقرير مصير أحد شخصيات الرواية.
القرار إذن للكاتب أولا وأخيرا، فلا يمكن لقارئ أن يكتب في تعليق مثلا «أريد أن يطلق البطل زوجته»، فيستجيب له الكاتب.. ليس هكذا تسير الأمور في الرواية التفاعلية.
متى تكون يستشار القارئ إذن؟
أعود لضرب الأمثال، وأقول، من خلال تجربتي، أن الروائي «الفيسبوكي» يطرح استطلاع الرأي عندما يرى أنه مستعد لأكثر من احتمال.
مثلا، في مرحلة من رواية «على بعد ملمتر واحد فقط» كان أمام البطل خالد خياران: إما أن يهاجر أو يدخل السجن.
هنا، توقفت قليلا، وارتأيت أن الوقت قد آن لإشراك القارئ في تحديد مصير البطل، وطرحت استطلاعا للرأي أتساءل فيه: هل تريدون لخالد أن يهاجر سرّا أو يدخل السجن؟
أتذكر أن حوالي 90% من القراء اختاروا سيناريو الهجرة، ولم يكن أمامي سوى الخضوع.
وقد يتساءل متسائل: أو ليس في هذا الخضوع تقليلا من شأن الروائي الذي ينبغي أن يكون سيّد روايته؟
وهنا أقول أن الرواية الفيسبوكية التفاعلية هي نسيجُ وحدها، لها شروطها وضوابطها، لها ميزاتها ومثالبها، وهي طبيعة كل الأشياء والأفكار، خصوصا المستحدثة منها.
قد تروق التجربة البعض وقد لا تفعل، لكن يحسب للرواية الفيسبوكية أنها استطاعت أن تجلب قارئا لاهياً متنقلا بين منشورات لا تسمن ولا تغني من سخافة، في أغلبها، إلى دنيا الرواية حيث يمكن أن يجد الكثير من المتعة، وربما بعض المعرفة، ناهيك عن قراءة كامل بالفصحى من أول كلمة في الرواية إلى آخرها، بدل منشوراتٍ تمتزج فيها الحروف اللاتينية بالعربية بالأرقام، لا تعرف بأي لغة أو لهجة كُتبتْ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى