إبداعات الكتاب

المجد المؤجّل

بقلم: د. رﺟﺎء ﺻﺎﻟﺢ اﻟﺠﺒﻮري

رحل زياد الرحباني، وفجأة غصّت الشاشات بصوره، وامتلأت الصفحات بكلماته، وتسابقت المنصّات في استعراض إرثه الموسيقي والمسرحي …
أصبح، وعلى غفلة، “رمزًا”، و”صوت جيل”، و”ضمير بيروت”.

لكن، أين كانت كل هذه الاحتفاءات حين كان حيًّا؟
حين كان يكتب ويسخر، يُلحّن ويحتجّ، يرفع صوته في وجه العبث واللامعنى؟

لماذا لم نكتب عن زياد من قبل؟
لماذا لم تمنحه الصحافة العربية ومنصّات التواصل ولو قدرًا ضئيلاً من المساحة التي أُعطيت لصوره ومنجزاته يوم وفاته؟
لماذا لم نعلم أنه كان شاعرًا، وكاتبًا مسرحيًّا، وكاتبًا ساخرًا، إلى جانب كونه عازفًا وموسيقارًا؟

إنها مفارقة المجد المؤجّل،
التي دأبت على تكرار ذاتها، جيلًا بعد جيل، لمئات المرّات …
ما إن يرحل أحدُ الأفذاذ ، حتى تشتعلَ منصّات التواصل والصحف وشاشات التلفزة بمنجزاته، فتُنكس الأعلام، وتصطبغ البلاد بصبغة الحداد.
وقد تُطلق عليه ألقابُ التشريف، وتُعقد لذكراه الندوات، وتُكتب فيه المقالات …
أشياء كثيرة لم تُفعل في حياته.

ألأنّ الموت يُجمّل؟
أم لأنه الوحيد القادر على إيقاف الصراع من أجل القمّة؟
أم لأننا لا نتصالح مع العبقريّ إلا بعد أن يُغلق فمه إلى الأبد؟

عندما يقصيه الموت عن دوائر الجدل والتصنيفات، ويُخرجه من حلبة المنافسة، نرتاح منه … فنحتفي به.
نتحوّل فجأة إلى أمة ناطقة بالرثاء، مُجيدة للتأبين، مُتقِنة لصناعة القبور المُذهّبة للفكر الذي تجاهلناه حيًّا.

عليك أن تموت كي تُكرَّم.
عندها فقط، ستحمل الجادّة التي مِتَّ فيها اسمك.
لماذا لا تحمل الشوارع والمنعطفات أسماء الأحياء؟
أسماء من عاشوا ليعيش بهم الوطن عزيزًا، أبيًّا، عصيًّا على كل معتدٍ؟
النُّصُب التذكارية تُشيَّد للراحلين،
أما الأحياء، فدورهم … لم يحن بعد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى