المــقدمة
قسنطينة مدينة التفاصيل حيث تعانق الجغرافيا الفريدة التاريخ الحافل. المدينة المعلقة بصخرة البقاء كعاصمة ملكية للثقافة والجمال فيوطن متميز بتنوعه.
فالتنوع التاريخي الذي عرفته المدينة والتركيبة البشرية الثرية والمتعددة، له دور كبير في اثراء موروثها الثقافي، لما للعواصم من أهمية، فالأمرلا يقتصر على العمران والتشييد بل يتعداه للتنوع والتفنن الظاهر في المأكل والملبس كأسلوب للحياة وكذا أساليب العناية بالجسد والتطبيب. ومن ثمة طرق العيش السليم ومستوى الرفاهية التي تبرزها الكثير من الممارسات اليومية للسكان.
ماء الورد والزهر… عطر المدينة
تقطير الورد والزهر في مدينة قسنطينة أكبر من مجرد عملية كيميائية، إنه في الحقيقة الجسر الخفي الذي يربط ماضي المدينة بحاضرها،فهو هواء المدينة وعبقها الذي تتنفس من خلاله عطر الورود ونسائم الأزهار المنبعث من أشجار الحمضيات.
عادة تقطير ماء الورد وماء الزهر من أعرق العادات وأغلاها على قلوب القسنطينين عموما شيبهم وشبابهم، ينتظرونها كل سنة ليجددوا هواءالمدينة.
هناك من ينسب هذه العادة للوجود العثماني بالجزائر، لكن الحقيقة أن الأمر مرتبط بالهجرة الأندلسية وما له من آثار حضارية مست كلالمجالات خاصة ما تعلق بأسلوب الحياة الرغيد ومظاهر الرفاهية، التي تأثر بها العثمانيون أنفسهم وحاولوا تكييفها وفقا لأسلوب حياتهمالخاص. وهذه العادة هي مزيج من مختلف الحضارات المتعاقبة والمتداخلة في تجانس أنيق لا يمكن فصله.
تنطلق عملية تقطير ماء الورد فصل الربيع، في جو احتفالي بهيج. وسط الدار حيث ينصب القطار وهو -آنية نحاسية- والمادة الأولية الورود،تؤطرها سيدات قديرات، تكون العملية على مراحل تبدأ بمادة عالية الجودة أو ما يعرف محليا “براس القطار”،وتنتهي بالرغوة وهو ما يتبقى من العملية.
واستخدام هذه المادة، ليس لتنكيه الحلويات والأطباق، والقهوة فقط لأنه مادة تجميلية لا غنى عنها بالنسبة للمرأة القسنطينية، وهو سر منأسرار جمالها.
فهو العطر الطبيعي لجسدها سواء باستخدامه مباشرة أو عن طريق وضع قطرات منه في ماء الاستحمام. أو استخدام ـالرغوةـ في غسلالملابس والبطانيات ومختلف الأفرشة. لتحتفظ بعطرها
لأطول مدة، وعند مزجه مع مكونات طبيعية اخرى يكون قناعا للبشرة ينظفها ويضفي نضارة عليها. كما يقي من تهيجاتها.
وله استخدام طبي في علاج أعراض ارتفاع الضغط، وضربات الشمس، وكذا تهدئة الأعصاب كمشروب محلى بالسكر. و مزجه بالعسل يعالجاضطرابات الهضم والإمساك. كم استخدمته المرأة القسنطينية كمحلول لعلاج العيون و إعطاء بريق ولمعان لها.
تقطير ماء الورد، عطر المدينة
أما ما تبقى من الورد في عملية التقطير، فإما يترك للشابات لدلك أقدامهن به أو يتم تجفيفه و خلطه بالقرنفل والصمغ العربي و العنبر لصناعةـالسخاب ـ وهو أحد أهم أنواع الحلي المشهور في المدينة، ترتديه العروس مع اللباس التقليدي لقسنطينة يوم حنتها.