تحتفي الدول العظمى كل نهاية سنة بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان باعتباره نبراسا للشرعة الدولية للأفراد والجماعات أينما حلوا وارتحلوا لأنه يغطي جميع دول العالم، إلا أن محدوديته تكمن في عالميته، فلا يمكن القول أن جميع دول العالم متفقة وملتزمة به، إذ منذ تسعينات القرن الماضي أدى تفكك السلطة العالمية وتعقيدات القضايا العابرة للحدود الوطنية كإدارة شبكة الأنترنت، إلى «انتشار» القوانين غير الملزمة، وبدون قيادة «تأديبية» للولايات المتحدة وروسيا، ترغب جميع الدول في الحصول على حصتها من الكعكة، أضف إلى ذلك أن مثل هذه القوانين هي أكثر سهولة في التفاوض، ويمكن بسهولة التراجع عنها أيضا، كما أنها تستطيع التسلل واختراق البرلمانات الوطنية بدون صعوبة، إذ أن المعارضة المفرطة ترجع بدرجة أكبر إلى حدة الجدل السياسي بشأن الهجرة لأن المخاوف منها جعل منها مادة خصبة لكل برنامج انتخابي، ويجد العديد من السياسيين المتعة في إثارثها والتفاوض بشأنها مع الحكومات خاصة و أن الدول أدركت أن قضية الهجرة لا يمكن حلها إلا معا وبالتالي يصبح من الضروري التوافق على تحديد الخطوات الرئيسية اللازمة لمعالجتها وفق مصلحتها غالبا وليس مصلحة المهاجر
وتأتي هذه السياسة التي تنبني على تفسير الإعلان العالمي طبقا لمصالح الدول الكبرى خاصة ونية الذين صاغوها مع الإشارة إلى الروح والسياق الدي انبثق منه، فالدول تقوم بصنع القوانين وتفسيرها، وليس هناك جهاز مركزي ملزم بتحمل مسؤولية تفسير المواد التي جاء بها الإعلان العالمي لنصرة المهاجرين أو حكم على القانون الذي يراد تطبيقه، وقد نبهت اتفاقية «فيينا» في مادتها 31 بوجوب تفسير أي اتفاقية بحسن نية وفي ضوء هدفها وغايتها، ولا يجوز أن تتم عملية التفسير لتثبيت أحكام حماية الأفراد بطريقة تقيد هذه الحماية، و أن المادة 13 حول الهجرة جاءت مجردة وعمومية وتحتمل أكثر من معنى قد تصوغه الدول من أجل تبرير سلوكها، فيكون من السهل على دولة ما تجاهل وجود التزام ما من خلال تقديم تفسير منحاز للقانون بدلا من الإقرار وافتراض انتهاك له،
فالتنقل ليس حرية مطلقة بل مقيدة تقييدا شديدا عند اجتياز حدود الدول الأوروبية لأنها ترى في المهاجر عبئا ينضاف إليها وهي لا تقبل سوى من يهاجر من أجل السياحة وإنعاش اقتصادها بعد اشتراط كشف مداخيله قبل منح التأشيرة، أو ذلك الذي تستفيد من إدماجه في العمل الشاق الذي ينأى مواطنوها عن أدائه كالبناء والتنظيف والفلاحة…وهي في حالة رفضها للمهاجرين أو اللاجئين فوق أراضيها تتشبت بتفسير للإعلان العامي لحقوق الإنسان بالشكل الذي يوافق مصلحتها كأن تدعي أن تواجد المهاجر غير قانوني أو أنه يمس نظامها العام… بل قد تتخد قرار الترحيل على هذا الأساس، وفي حالة الرفض، يتم احتجاز المهاجر غير الشرعي في المطار (هناك في مطار بروكسيل zaventan مثلا، مهاجرين محتجزين لمدة طويلة لأنهم رفظوا الصعود إلى الطائرة من أجل ترحيلهم) ويستمر الإحتجاز إلى أن يرضخ المهاجر غير الشرعي للترحيل.
ومن جهة أخرى، وفقا لسياسة الكيل بمكيالين في تفسير المادة 13 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان حول حرية التنقل، تمارس الدول القوية امتدادات مجالية توسعية نحو الدول الضعيفة وأحيانا الإستيطان بها دون وجه حق كماهو الحال بفلسطين أو الإستعمار الحديث بدعوى حماية حقوق الإنسان ومحاربة الإرهاب(العراق، أفغانستان، ليبيا..) أو غزو أسواقها مستغلة الشركات المتعددة الجنسية والتجارة الإلكترونية الحرة، وغياب التأشيرة ..
ويتم استغلال هذه الإزدواجية في تفسير الإعلان العالمي للمهاجر»نافع» و»غيرنافع» وفقا لمصالح الدول وبسبب إغفال المنظمات غير الحكومية الإطلاع على مبادئ التفسير الممكنة للمادة 13 كي تتمكن من مواجهة التفسيرات التي تصوغها الدول من أجل تبرير سلوكها، وببساطة يكون من «السهل» على أي حكومة تجاوز وتجاهل وجود التزام بالإعلان العالمي أو العهدين يخص حرية التنقل من خلال تقديم تفسير منحاز للقانون بدلا من الإقرار وافتراض انتهاك له.
ويبقى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان غطاء الإنتهاكات التي تنهجها الدول العظمى ضد الدول الضعيفة بادعاء حماية حقوق الإنسان بعد نهبت خيراتها مستعينة بحرية التنقل وهاهي الاَن تغلق حدودها في وجه التدفقات البشرية التي عانت ويلات الإستعمار ولا تسمح لها بالعبور مدعية أن حرية التنقل رهينة بسيادة الدول على حدودها ورغبتها في أمننة أراضيها.