الصورة المرافقة للقصة والتي ستكون معنا على مدى ثلاثين يوماً هي لوحة باليرينا للفنانة التشكيلية المبدعة د. زهراء نوح
في عيادة الطبيبة
المكان يعج بالنسوة. نساء ببطون منتفخة ، و أُخريات ببطون آخذة بالانتفاخ ، أمضيت جُلّ ساعات الانتظار الثلاث بحثاً عن أنثى ببطن مسطح كالتي لديّ ، أنثى تشبهني لأشاركها ما يفيض به قلبي، وقبل وصول الطبيبة بنصف ساعة وجدت ضالتي إذ انضمت الى مجلسي سيدة ثلاثينية ببطن خاوية. وحين علمتُ إنها تخضع لعلاج عقم ثانوي إذ توقفت عن الإنجاب بعد ولادة ابنتها البالغة من العمر خمس سنوات… أحجمتُ عن البوح فلوكان لي بنت لما بارحت باب بيتي بحثا عن دواء .
امضيت ما تبقى من الوقت انصت إلى أحاديث النسوة..
_فرط إقياء الحمل المبكر..
_تقلصات رحميةمبكرة…
_أريد مانع للحمل..
_زيارة روتينية لمتابعة تقدم الحمل …
_ إسقاط مهدد..
كانت تلك شكاوى مرتادات العيادة لذلك اليوم..
وأخيراً نادت مساعدة الطبيبة على إسمي .. نهضت مسرعة ودلفت إلى غرفة الفحص.. لأضع نتائج فحوصاتي التي أوصت بها الطبيبة قبل اسبوع على طاولة بسطح مزجج تجلس خلفها على كرسي دوار سيدة خمسينية بوجه يخلو من اي انطباع تخفي عينيها خلف عوينات طبية سميكة اشبه بقعر زجاجة تتكلم بصوت يخلو من اي مشاعر كصوت مذيعي نشرة الاخبار الذين نسمعهم على رأس كل ساعة عبر أثير الإذاعة.
_اسمك؟
_أزهار ناجي.
_عمرك؟
_٢٢سنة .
_ماهي مشكلتك؟
_مضى على زواجي خمس سنوات ، ولم أحمل.
هكذا استجوبني الطبيبة في في الخامس من ايار ١٩٨٠، تسألني دون أن ترفع ناظرها عن بطاقة مقسمة إلى خانات، ثم تعبأ كل خانة بما يناسبها من اجوبتي المقتضبة بدافع الخجل أو عدم الفهم ..
ثم ما أن اكملت تدوين معلوماتي حتى قلبت الملف لتدوِّن على ظهره كلمة من ثلاث حروف :
عقم.
يا لقسوة الكلمات…
عقم!
أشجار لا تورق مع بواكير آذار بعد شتاء ماطر، ولا تزهر تحت دفء شمس نيسان، ولا أمل في تدلي ثمارها مع سطوع شمس حزيران. العواقر اللواتي لا ينجبن ، تُلصَق على جباههن قصاصات يُكتب عليها عاقر أو عقيم… أرض بور أو جُدُب…
ثم فجأة يوقظني صوت الطبيبة من شرودي :
_ عزيزتي الفحوصات التي أمامي لا تظهر أي خلل ولا يوجد أي عائق أمام حدوث الحمل لا منك ولا من زوجك .
ثم انكبت تخربش حروفاً لا افهمها على وصفة دواء.
خرجت من العيادة مثقلة بالخيبة والهم.. كم تمنيت ان تكتشف الطبيبة ذائعة الصيت العلة وراء عدم حملي.. رجوت الله لو أنها تكشف الداء لتصف له دواءً؛ ليشرق في قلبي أمل جديد، ولتكون القشة التي قد اتعلق بها وسط طوفان واقعي المرير.