مقالات الكتاب

ستُزهِر يوماً – قصة – الحلقة الثالثة

د. رجاء صالح الجبوري

الحلقة الثالثة
عنوان الحلقة “يحيى”
_الأمر بيد جدها.
ستذهر يوماهكذا سمعت امي تقول لزوجة الخال التي زارتنا ذات جمعة ، نبرة من أسى كانت تلف صوت أمي وهالة من حزن تحوم حول عينيها فتطفئ بريقهما.. وإحساس بالخيبة كان ينوخ على منكبيها فيتركها كسيرة وحزينة.
كانت أمي تدفن أحلامها التي طالما حلمتها لنا .
لا أمل في تفوق دراسي ولا في الحصول على مؤهل جامعي… سأتزوج قبل أن تزهر عشريني كما فعلت كل من أمي وجدتي من قبل.. هكذا سأفعل طالما سيُرضي زواجي مجلسَ العائلة الموقر.
بعد أقل من شهر تزين بنصري الأيمن بخاتم ذهبي نقش على باطنه اسم يحيى وصرت مخطوبة له بشكل رسمي .
كان ليحيى قلب طفل وروح رجل وعاطفة أب حنون.. لم اشقَ في حبه يوما.. ولم أندم على حبي له ، شابٌ عراقي يحمل كل ملامح رجال تلك الحقبة.. لجبينه سُمرةٌ تشبه تلك التي على سنابل القمح وضحكة تشبه شعاع الشمس المتسلل من وراء غيوم آذار ولعينيه بريق جميل يخبرك أنك في مأمن معه.
شهران الا خمسة أيام وصرت في بيته حيث أمه واخاه الأصغر وأخته.
في يومي الأول معه كزوجة حدثني عن حبه الأزلي لي وكيف انه احبني مذ كنا صغاراً .
_أحببتك منذ كنت صبية متعجرفة لا تردين السلام.
قال باسماً.

لم يشغل يحيى بالي، ولم يطرق باب قلبي قبل أن نتزوج رغم قامته الممتدة ومحياه المحبوب وابتسامه الساحرة وسمرته الآسرة ؛ الا أنني أحببته فيما بعد كما لم أفعل في حياتي؛ منحني كل ما تمنيت من الحب الأمان الطمأنينة والسند لكنه للأسف لم يمنحني حتى الآن قطعة منه تشبهه ولها قلب جميل كقلبه.
بعد شهر من الزواج بدأت نسوة العائلة تتساءل حول حدوث حمل.. لا أدري لماذا كانت أسئلتهن توترني.. رغم أنني كنت لا أزال عروساً في السابعة عشر من عمري، وحريُّ بي ان أضحك ممن يحدثني عن انجاب طفل.
كان هاجساً في داخلي يخبرني أن صغيري الأول سيتأخر بالوصول.. أما اختي فقد حملت بعد شهور قليلة وصمد صغيرها حتى موعد الميلاد رغم ركلات وصفعات زوجها التي تتكرر كل يوم .
استمر المجتمع يسأل ويسأل وأنا أجيب بالإجابة
_ ذاتها لا جديد..
وضعت اختي مولودها الأول والثاني والثالث وانا لا ازال بحضن فارغ وبطن مسطحة… كان يحيى متفائل كعادته ، يمسح عني دموع الجزع ويربت على كتفي حين تصيبني خيبة أمل وحين تجرحني كلمات الآخرين.
اما زوجة خالي فقد كان لها الدور الأكبر في تضخيم معاناة انتظار حدوث حمل.. كانت تتداول اخباري مع جارتها وصديقاتها وسيدات العائلة.. حتى سمعت صديقة لها تسألها يوما :
_ ما أخبار كنتك التي لا تنجب.
يبدو أن اسمي سيتحول من أزهار إلى السيدة العقيم ان لم يكن قد تم تغييره بالفعل .
وزاد الأمر تعقيدا وازدادت المسامير التي تطرقها زوجة خالي في جمجمتي كل صباح ومساء حيت تزوجت ابنتها وحملت بعد العرس مباشرة .
وقتها استبدلت زوجة خالي أدعية الصباح والمساء بالحديث عن النساء المعدلات اللواتي يحبلن بسرعة على عكس تينك المخربطات العاجزات عن جلب حفيد إلى البيت الذي يكاد والهدوء يبتلعه، وحين ارتفعت بطن ابنتها كانت تحصنها وتؤمنها من عين الحاسدين الناظرين الى بطنها المتكور؛ ثم تنفخ في وجهي، وتفتح اصابع كفها الخمس أمام عينيّ في إشارة واضحة أنها تخاف أن احسد ابنتها الحامل.
وحين وضعت وليدها وتجنباً لكل هذه الترهات امضيت اسبوعا في بيت أبي حتى غادرت الأم الصغيرة بيت الزوجية؛ ان صح لي أن أسميه بيتا للزوجية، فلم أكن فيه الا نزيلة غير مرغوب فيها.
وأمام كل هذا الألم كان يحيى واقفاً إلى جانبي يدعمني ويمسح على جروحي ويخبرني ان الله سيستجيب يوما لرجاءاتنا.
وبعد مُضي اربع سنوات على زواجنا قررنا أن نطرق أبواب الطب علّ دواءً ينفع أو حبةً تحدث فرق.
قالت الطبيبة الأولى :أننا لا نشكو شيئاً وان كل الظروف مناسبة لحدوث حمل..
أذكر يومها كم فرحنا وعدنا إلى البيت مبتهجين وكأن الطفل سيصل بعد اسبوع..
وقتها أخبرت زوجة خالي ان الطبيبة طمأنتني وأن لا مانع لدى من الحمل من الناحية الصحية. جاءت نتائج فحوصاتي في وقتها بعد أن اشاعت زوجك خالي أنني خُلقت بلا رحم، وأن حملي ضرب من ضروب المستحيل.
عشت ويحيى فترة ذهبية وشهر عسل جديد ، وكأن قلوبنا المتعبة كانت بحاجة إلى أمل يمسح عليها ويخبرها ان كل شيء على ما يرام ، ولكن طول الأمل يُجهدنا اكثر مما يفعل بنا اليأس ، طال انتظارنا فتسربت خيوط الرجاء من بين اصابعنا مع مرور الايام التي لم تحمل لنا أية بشرى. ظل يحيى على حاله يصلي ويدعو ويؤمن كامل الايمان ان الله الذي يرزق دودة لا تدركها عينٌ مُجردة في صخرة في عمق المحيط قادر على أن يهبه طفلاً، اما أنا فقد كانت الدموع ملاذي اسرها إلى وسادتي كل ليلة.
يُتبع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى