الحلقة الرابعة
عنوان الحلقة “حرب على الحدود”
تزوج زكريا الأخ الأصغر والوحيد ليحيى بعد أربعة اعوام من زواجنا..
صرحت زوجة خالي يوم خطبت لإبنها قائلة :
_غداً يمتلأ البيت بصخب الصغار و وضجيجهم ولتذهب العواقر إلى جهنم.
وبعد شهر من الزفاف أعلنت العمة المبجلة حمل كنتها الجديدة… وليت الأمر توقف عند هذا الحد؛ فقد مُنعت من الدنو من المطبخ أو المشاركة في طهي الطعام أو تحضيره أو حتى تجهيز ماء الشرب ..يبدو أن العمة تخشى أن أدس عملاً شيطانياً أو سحراً للكنة الحبلى…
مرت الايام ثقيلة معبأة حد الإتراع بالدس وطرق المسامير وليتها قُضيت على ذلك ؛ ففي ذات صباح انزلقت العروس الحامل من على سلالم البيت وسقطت مغشيا عليها… فهرعت العمة لنجدتها بينما تتدفق مسبتي من فمها كالسيل… لم تبق على حالي أماً ولا أباً إلا طالته لعناتها أما نعتي بالساحرة والمومس؛ فهذا امرٌ مسلم به… نجت الكنة وجنينها من تلك السقطة ولكن العمة أقسمت بأغلظ الايمان أن لا بقاء لي في البيت فحملت ثيابي وعدت إلى بيت أبي .. أخبرتني العصفورة أن العمة أمرت يحيى أن يطلقني أو يتزوج بأخرى، وحين رفض طردته هو الآخر .. وفي الليلة ذاتها التي غادرت بيت خالي كان يحيى منفياً مثلي يجلس إلى جواري في الارجوحة ذاتها المستكينة تحت عريشة العنب في حديقة بيت ابي.. كنا نضحك ونضحك، كما لم نفعل منذ زمن.
ومنذ ذلك الحين ونحن نعيش مع أمي وأخي الوحيد . ظل يحيى باراً بأمه يمضي ساعتان من وقته معها كل يوم بعد انتهاء العمل أما أنا فقد كنت ازورها في الأعياد والمناسبات فقط .
أفقت من عاصفة الذكريات على صوت يد يحيى تهبط على الباب معلناً وصولنا تركني هناك ، وغادر باتجاه ورشة النجارة حيث يعمل .
كانت اختي وأولادها الثلاثة في البيت يركضون ويلعبون ويملأون البيت بهجة وحياة. دلفت إلى حجرة المعيشة كانت اختي تجلس على كرسي قريب من التلفاز ببطن متكور و كدمة جديدة تحت عينها اليمنى.
_ماذا هناك؟ سألتْ.
_لا شيء. أجبتها.
ثم جلست دون أن أنبس. أغلقت الأيام والسنون كل قنوات الحوار الممكنة بيني وبين اختي .. لم يكن ثمة شيء لنحكي فيه؛ فقد كانت تعتقد أنني الأوفر حظاً فيحيي يحبني ولا يضرب ولا يشتم كما أنني محظوظة إذ لم أحمل ولم ألد؛ إذ كانت تعتقد أن الصغار نقمة، تشبههم بحكة جلدية لا فكاك منها . وزاد عمق الأخدود الفاصل بيننا يوم قررت بعد أن استيأست من قضية الإنجاب أن استكمل دراستي .. اجتزت امتحان البكالوريا بنجاح وقبلت بعدها في كلية التربية قسم اللغة العربية. اعتقدت اختي حينها أن القدر يهبني كل أحلامها .
بعد دقائق قليلة نهضت من مجلسي لالتحق بأمي الواقفة في المطبخ تعد العشاء . كانت أمي تعلم اني لا أحب أن أُسأل فاكتفت باستقراء حالي من عينيّ .
هكذا كانت أيامي هادئة و وادعة لا ينقصها إلّا طفل صغير يدفئ حضني ، ربما كانت اختي على حق فأنا الأوفر حظا طالما حظيت بالحب والأمان يمنحني اياهما زوج محب وأم حنون.
مضت الايام بسلاسة حتى ذلك الخريف ، يوم اندلعت الحرب على الحدود، المعارك بعيدة لكنها راحت تجتذب الرجال كدوامة لا تشبع ولا تمتلئ .. وبعد شهر من إعلان الحرب طُلب يحيى لخدمة الاحتياط لم نكن نملك اي خيار؛ كان عليه أن يلتحق برفاق السلاح في الجبهة ؛ ليخوض حرباً ليس له فيها يد ، الساسة يقطفون الحصرم والشعوب تضرس .. التحق زوجي بوحدة عسكرية تبعد ٩٠٠كيلومتر عن المدينة حيث نقطن كنا نراه مرة كل شهر.
علمني تراكم الخيبات أن اصبر على البراعم حتى تزهر، ان أخبأها في غياهب قلبي المتعب من الخذلان فلا يراها احد فإن ذبلت بكيتها وحدي وإن أزهرت فرحت بها ولها وأفرحت كل من حولي.
في أيار ١٩٨٢… تغير مزاجي وتغيرت عادات الطعام الخاصة بي وصار غثيان الصباح رفيقي… حملت نفسي عصر احد الايام وذهبت إلى طبيبتي التي أكدت لي أنني في الشهر الثالث من الحمل، واخيرا تحقق حلمي وها هي تبتلات يحيى تؤتي ثمارها… اغلقت أبواب قلبي على الخبر الجميل بانتظار قدوم زوجي من الجبهة .
يتبع….
جميلة..
جميلة..
سلمت اناملك