أدبيات وقصصمقالات الكتاب

ستُزهِر يوماً – قصة – الحلقة السابعة والاخيرة

د. رجاء صالح الجبوري

الصورة المرافقة للقصة والتي ستكون معنا على مدى ثلاثين يوماً هي لوحة باليرينا للفنانة التشكيلية المبدعة د. زهراء نوح

الحلقة السابعة والاخيرة
عنوان الحلقة “عايدة”
ستذهر يوماواخيرا وبعد سنوات طويلة من الاقتتال توقف إطلاق النار.. وأُلقي السلاح.. كان الشارع ينتظر بفارغ الصبر تبادل الأسرى.. لكن الانتظار لم يطرح سوى انتظار .. والسنوات اثمرت سنوات أخرى وطال الغياب فوق ما طال .. حتى كادت الروح تشيخ واوشك ربيع العمر على الافول.
في صيف العام ١٩٩٠ضجت محطات الإذاعة والتلفزيون بما يسمونه صفقات تبادل الأسرى.
كنا انا وامي وولدي نحبس الأنفاس كل يوم في تمام الساعة الثانية بعد الظهر حين تبث إذاعة محلية أسماء الأسرى المزمع إطلاق سراحهم.
وفي ذلك اليوم بالتحديد أذكر أنني تابعت بنهم لا نظير له أسماء الأسرى واحداً تلو الآخر ولم يأتي المذيع على اسم يحيى..
فأقفلت المذياع وذهبت إلى فراشي طلباً للقيلولة.. وقبل أن أغفو ، طرق بابنا بعنف .. هرعت من سريري.. اتمتم
_ يبدورأن الزائر لم يسمع عن اختراع اسمه جرس الباب ..
وقفت خلف الباب كعادتي :
_من بالباب؟ سألت.
_ يحيى… قال الطارق .
_يحيى نائم. عد في وقت لاحق.
_ أزهار.. افتحي الباب أنا يحيى .. لم أصدق ما اسمعه.. وما بين واعية ام حالمة؟ مكذّبة ام مُصدقة؟ طاف على قلبي هاجس من خوف من ذا الذي يطرق باب إمرأة وحيدة في ظهيرة يومٍ قائض ..
وحين التفتت وجدت امي إلى جواري واقفة وتشير الي أن افتحي الباب لنرَ .
فتحت الباب لأجد يحيى بذاته ، الرجل الذي لم اشق بحبه يوماً ، صديقي ورفيق طفولتي وصباي، وأبو وحيدي… سفعت الشمس وجهه الباسم الجميل واضاءت السنون سواد شعره بخيوط فجر يوشك على الانبثاق ضمني اليه متعجلا مراسيم اللقاء الحار بعد كل ذلك الغياب ، ثم بعد ثوانٍ من عناق حار ابعدني عنه فجأة وكأن هاجساً وخز قلبه، ونادى:
_ يوم … يوم .. إزهار أين أمي؟
_انها في بيت زكريا.
قلت وكل شيء فيّ يشي بأنني كاذبة.. غاصت نظرته في عيني وكان على وشك ان ينطق قائلاً
_قولي الحقيقة.
آثر الصمت حين لمح يحيى الصغير يقف عند مدخل البيت خجل ومرتبك ولسان حاله يقول
_ما هذا الأب الذي ظهر فجأة؟
ناديت على ولدي

فتقدم الصبي ذو التسع سنوات مرتبكاً فعانقه ابوه
بيننا الصغير يهمهم :
_كيف حالك بابا.
وماهي الا ساعة انقضت ليحضر زكريا وأولاده وما ان دلفوا من الباب لاحظ يحيى ان أمه ليست معهم.. فانهارت كذبتي وانهار معها الجندي العائد من المنفى عانق اخاه و بكا وانتحب .. بكا كما يفعل الصغار حيت تتوه تضيع ايديهم من أيدي امهاتهم في سوق مكتظ .
تعلمت على مر السنون اننا قد نتعايش مع كل واقع إلا الغياب.. لم اتقبل يوما رحيل أبي ولا غياب يحيى في سنوات منفاه ولا حتى غياب عمتي.. الغياب يترك فجوة في الروح لا يملأها الا لقاء أو أمل بلقاء

كانت ايام يحيى الأولى في الديار اشبه ما تكون بمأتم فقد غطى رحيل امه على فرحته بالعودة الديار.. إختلت صورة الوطن في وجدان يحيى بغياب امه.. فصار وطنا ً ينقصه ضلع، ينقصه حضن وطن، ينقصه كلمة .. هلا يمة
مسكين يحيى…
مرت الايام الأولى ثقيلة على يحيى الصغير.. الذي احتاج بعض الوقت ليعتاد وجود ابيه، اما مسألة الاسم فقد حللناها بمناداة يحيى الصغير باسمه ومناداة الأب بأبي يحيى.
وحين أطفأ يحيى شموعه العشر في ديسمبر كانون اول ١٩٩٢ كان أبوه يقف إلى جنبه واخته في حجري.. أسماها ابوها عايدة.. لاعتقاده أن الله أعاده من منفاه لتبصر هذه الحلوة النور .. عاش يحيى الأب كل ابوته المفقودة مع أميرته الصغيرة، وسرعان ما ربطته بحيي الصغير صداقة عجيبة ومتينة
لم تنتهي القصة عند هذا الحد فهذه الأرض لن تتوقف يوماً عن سرد الحكايات لكنني سأكتفي منها بهذا القدر.
انها قصة غصن عاند الريح ولوى ذراع العاصفة، وأبى إلا أن يزهر..
تمت

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى