مقالات الكتاب

سهاد – قصة قصيرة – الرسالة الثالثة

د. رجاء صالح الجبوري

الرسالة الثالثة
إلى صديقتي الكاتبة :
مرحبا صديقتي …
لماذا باعتقادك اختفت الهبات الساخنة؟
أبفعل الدواء؟ أم أنّ سنا الذكريات قد طغى على هبات نيسان؟
أتعلمين؟
تكلمنا بالأمس أنا وزياد.. أرسل لي صورة حديثة له… برفقة صبي في الرابعة.. قال إنه ابنه… وأنه تزوج بعد الأربعين.. وأن له زوجة طيبة… من أصل عراقي، رشحها للزواج به أحد الأصدقاء… زواج مدبّر حسب تعبيره … تكلم عنها بالطيب ثم ذيل عبارته بالقول: _ولكن للقلب كلمة..
لم أخبره اني لا أزال عزباء؛ لكنني حدست أنه على علم بذلك.
تكلمنا طويلاً عن ذكريات الكلية ورفاق الدراسة وقبل أن ينهي المحادثة ارسل لي أغنية لحليم…
تلك التي يقول فيها.. انا راجع المحبوب… سأبعث لك الرابط.. فطالما أحببت حليم وأغانيه
هل تظنين انه يقصد ما تقوله كلمات الأغنية…
قبل أن أنسى.. أخبرني انه آتٍ في زيارة للبلاد في أوائل الصيف وان هناك موضوع يجب أن نتحدث فيه قبل قدومه..
لا أحب التشويق ليته تكلم هكذا بدون مقدمات… واغان قديمة تبعث في النفس الآمال والآلام في الوقت ذاته …
اغلقت الاتصال معه وعدت إلى عالمي وطاولتي اقلب صوري وذكرياتي التي علاها الغبار منذ ركنت على رفوف النسيان لسنين خلت ، وكيف إنقضت ايام الثانوية؛ لألتحق بعدها بكلية الآداب قسم التاريخ… خَلت أيامي الأولى في الكلية من وجود الشاب المجهول الذي اعتاد أن يظهر أينما حللت … ليظهر بعدها بأسبوعين.. في الكلية ذاتها ولكن في قسم آخر… علمت منه بعد سنوات انه قُبل في البدء في كلية العلوم ثم طلب التحويل إلى كلية الآداب لنكون قريبين… كان يمضي جُلّ وقته في ممرات قسمنا وباحاته.. لأجده كل صباح على باب القاعة حيث تنتظرني محاضراتي… تعرّف على كل الشباب في شعبتي حتى صار من أهل الدار… وبعد شهر بدأني بالسلام فارتبكت ولم أجبه وفي الصباح التالي صادفني في أحد الطرقات.. يدندن بأغنية لحليم ليُسمعني.. تلك التي يطلب فيها حليم من محبوبته أن ترد سلامه على قدر ما تراه في عينيه من اشواق.. مرت الشهور وصار تبادل التحايا أمر طبيعي …
وقبل انتهاء العام الدراسي.. طرقت بابنا عصر احد الأيام سيدة متوسطة العمر… قالت لأمي انها جاءت لتخطبني لإبنها، زعمت السيدة أن أصدقاءً دلوها على فتاة جميلة تقطن في بيتنا ، وقبل أن تغادر كتبت اسم ابنها الكامل ولقب عائلته وعنوان محل عمل والده على قصاصة ورق واعطتها لأمي قائلة :
_إذا أردتم أن تسألوا عنّا.
تناولت القصاصة من كفّ أمي بعد أن مضت السيدة وقرأت ما فيها ..
لم يكن الخاطب سوى زياد.. زياد ذاته ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى