مقال العدد

سوار أزرق و أرقام

بقلم: نورا البُديري

رواية تحمل الكثير من المشاهد، تتنقل الأحداث بسرعة جنونية، ذات ايقاع صاخب و إنساني لأبعد الحدود.

المشهد الأول نرى أطفالاً يرتدون اساور زرقاءٍ في معاصمهم تبدو للوهلة الأولى أنها للزينة حتى يتميّزوا كعائلةٍ تحب التّزين و التّميز وخطّوا على أرجلهم و أيديهم اسماءهم بخطٍ عربيٍّ واضحٍ كتب على عجلٍ دون أن ينمّق كخطٍ كوفيٍ أو أندلسيٍّ أو حتى خط رُقعة بل كان خطاً يسابق الموت المحدق و المحيط بهم .. هذا سجلٌّ ابتدعته احدى العائلات حتى يتم التعرف عليهم إذا ما فارقوا الحياة …

في المشهد الثاني نرى آباءً يحملون أكياساً قماشية بيضاء تخضبت بدماءٍ زكية برائحة المسك محاولين تجميع أشلاء فلذات أكبادهم راجين أن يعيدوهم كجسد واحد ليتسنى لهم دفنهم بكرامة …

يطل المشهد الثالث بانفجارٍ يهز المشاعر الإنسانية بتدمير مستشفىً تابع لاحدى الكنائس، مليئاً بالاطفال و النساء و الشيوخ و الكوادر الطبية المنهكة، فنسمع من الكهنة و الراهبات التراتيل الكنسية بجانب دعوات المسلمين من الشيوخ و المرضى و تلاوةٌ لبعض آيات القرآن الكريم علّها تخفف من حالات الهلع و الألم التي أصيبوا بها، ليعانق القرآن الانجيل بانتظار معجزة من سيدنا المسيح و خاتم النبيين صلوات الله عليهما …

المشهد الرابع لطفلين أخوين خرجا من تحت أنقاض منزلهما بعد فترة من الوقت ليست بالقصيرة على قيد الحياة، فرحين و شاكرين الله ورجال الإسعاف على إنقاذهما، ليجسدا معجزة إلهية أنه من لم ينتهي عمره لن يرحل إلا باذنه تعالى …

خامس المشاهد لمسعفي الهلال الأحمر وجدوا أطفالاً كثر، أغلبيتهم من الرضع، لا يتكلمون فهم صغاراً و لم يتعرف عليهم أحد.. فكتب المسعفين على بطونهم أرقاماً ليحصوا عددهم، فأصبحوا أشخاصاً دون أسماء و لا نسب!! مجرد أرقام …

المشهد السادس دوي انفجارات متواصل، و انتشار حالات الهلع و الفوضى بين الناس، إلا من فتاة في التاسعة من عمرها كانت تبحث عن أمها بين المصابين و لم تجدها، الى أن عُثر على سيدة غابت ملامحها من وطأةِ التشوه الناجم عن الدمار، لكن مهلا.. ها هي السيدة التي كانوا يبحثون عنها تعرفت عليها ابنتها من شعرها …

و الكثير من المشاهد المؤلمة و القاسية التي يصعب سردها كلها..

لكن يبقى أعظم المشاهد للآن هو النسيج المتين و قوة التلاحم بين أبناء الوطن و إيمانهم المطلق بقضاء الله وقدره

و نبقى في انتظار المشهد النهائي بتحرير الأرض و تحقيق عدالة السماء…

كما قال الشاعر الفلسطيني «محمود درويش»

عَلَى هَذِهِ الأرْضِ مَا يَسْتَحِقُّ الحَيَاةْ

عَلَى هَذِهِ الأرضِ سَيَّدَةُ الأُرْضِ،

أُمُّ البِدَايَاتِ أُمَّ النِّهَايَاتِ

كَانَتْ تُسَمَّى فِلِسْطِين.

صَارَتْ تُسَمَّى فلسْطِين.

سَيِّدَتي: أَستحِقُّ، لأنَّكِ سيِّدَتِي، أَسْتَحِقُّ الحَيَاةْ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى