إنها الثالثة فجراً.. حاسوبي اللوحي لا يزال يومض ويخبو أمام عينيّ المسهدتين.. لديّ الكثير لأنجزه..
العمل على الشبكة العنكبوتية أصعب مما قد يتصوره البعض..
أغالب النعاس ولكن دون جدوى.. جفناي يزدادان ثقلاً برهةً بعد أخرى.. أحسم موقفي وأتجه إلى المطبخ. أملأ الدورق بالماء ثم أضيف حفنة كبيرة من أوراق الشاي، وأربع حبات من الهال.. اشعل نار الموقد ليستقر القوري علي ناره الزرقاء كملك يعتلي عرشه.
يكسر سكون الليل صوت خربشة تأتي من غرفة الغسيل..
أجبُن للحظات.. اتردد في التقدم باتجاه الباب، تطفو على سطح ذاكرتي صورٌ من ايامٍ كنت العب فيها دور المحقق العبقري في مسرح المدرسة.. أقف على خشبة المسرح بقبعة شرلوك هولمز وفي يدي عدسة مكبرة أنحني أمام حشد يشتعل بالتصفيق والهتافات.
يحتاجني الحزن حين اتذكر كيف دُفنت مقتنيات شخصية شارلوك هولمز خاصتي، وقصص السير ارثر كونان دويل تحت انقاض بيتنا الذي هدمه صاروخ ضلّ طريقه إلى بيت أهلي ذات حربٍ ، فتركه رُكاماً ، و دفن تحت ركامه كل القصص .
امسح دمعة لم تُسكب بعد.. ثم استجمع بقايا جسارتي و شيءٌ من روح المحقق العبقري، واقتحم الغرفة ..
_ اوووه هذا انت أيها الشقّي.
إنه (نمّور) القط المدلل.. يبدو أنه كان عالقاً هنا منذ بداية الأمسية.. يخرج نمّور ما أن أفتح الباب.
اجول بعيني في أركان الحجرة الصغيرة.
اقول في نفسي متأففة :
_متى امتلأت سلة الغسيل ؟!
ربما عليّ ان افجر ثورة.. أُسميها :
“ثورة الغسيل”
على غرار ثورة الجياع في فرنسا وثورة العبيد في الجنوب الأمريكي..
أتذكر كتباً كانت لي يوماً “كوخ العم توم” و “ذهب مع الريح”
و”ماري انطوانيت ” فتظلل روحي سحابة من حنين إلى مقتنيات أثيرة إلى قلبي تخليت عنها رُغماً عني حين غادرنا بيوتنا إلى المجهول ذات يوم ..
أعود إلى عملي تغشاني عتمة مؤلمة..
عبثاً احاول ان ابقى يقِظة، يسرقني الكرى في غفوة أجهل مداها افتح عيني.. إنها الرابعة وسبع عشرة دقيقة فجراً .. حسب التوقيت المحلي..
البيت بما فيه يهتز.. قوري الجاي يصفر.. ونمور يموء بلجاجة.. الحلية الكريستالية المتدلية من السقف تتأرجح جيئة وذهاباً.. السقوف تطقطق الجدران تهتز .. الأبواب تنصفق بقوة ..
رجل في الشارع يصيح :
_يا لطيف..
وينادي آخر :
_الله اكبر
يضجُّ الحيّ بضخبٍ عجيب.. تمتزج صرخات الصغار مع أنين الحجارة وتكابير العجائز ..
اقول في نفسي:
_ ليس صاروخاً هذه المرة ولا تهجير بالقسر .. ولا اجتياح عسكري ..
إنه زلزال… الكارثة هذه المرة ستكون على مقياس ريختر.