يوماً ما ستنتهي الحرب ، و سيحصي سادة السلام البيوت المهدمة والمدارس المحترقة ، ومقاعد الدرس المحطمة، والمدن والحواضر المنكوبة ، و أعداد الجرحى و القتلى ، والمفقودين ، و ألواح الزجاج المُهشم ، وآليات الحرب المعطوبة ، والطائرات الضالّة في السماء ، والسفن الغارقة ،والقلوع الممزقة ،والصواري المنكسرة .
سيحصون كل شيء ويدونونه في لوائح طويلة يسمونها إحصائيات .
حتى أنهم سيقيّدون الحبر المُستخدم لتوقيع معاهدة وقف اطلاق النار ، ورقاقات الورق التي استُهلكت لكتابة بنود الإتفاقية ، و وقود المروحية التي نقلت القائد الهمام الذي حقن الدماء آخذاً بيد شعبه الى شاطئ السلام والأمان .
ثم ستظهر على شاشات التلفزة سيدة تتحدث عن ألاف الامتار من القماش اللازم لنصب الخيم لإيواء مشردي الحرب ، و أطنان الطعام وشحنات الدواء التي ستُنقل إلى مخيمات الفارّين من جحيم الوطن المستعر .
كل شيء سيخضع للعد والاحصاء .
كل شيء …
كل شيء …
سيتم تقييده في سجلات ودفاتر عملاقة .
لكنهم لن يحصوا عدد الخطوات التي ركضتها من بيتك إلى المخيم ، وعدد برك الدم التي قفزت من فوقها ، و ألعاب الاطفال الملقاة على جانب الطريق وقد عفرها غبار البارود وخضبتها دماء الابرياء .
لا أحد سيحصي العمر الذي ابتلعته سنيّ الحرب ، ولا أهداب الروح التي قضمتها ماكينة الموت الملعونة ، ولا بقع الصدأ التي خلفتها صرخات المستغيثين على جدران القلب ، لا أحد سيقدّر انحسار فرجة الضوء المنبعثة من فؤادك ، ولن يحزروا أن ابتسامك لم تعد كما كانت قبل بدء الاقتتال .
لن تدخل في أية إحصائية
فالناجون من الموت لا تدوّن أسماؤهم في قوائم الجَرد …
كفوارغ الرصاص ، تبقى ملقاة على أرض الوطن المترعة بدماء ابناءها ،حتى تدوسها فلول الجيش المندحر ، فبساطيل القوى الغالبة ، ثم اقدام المرتزقة الراقصين على انغام نصرٍ لم يراهنوا يوماً عليه ، ثم تصدأ وتبتلعها الارض كالكثير من الحكايات .
لا أحد سيعود ليحصي فوارغ الرصاص ، وكذلك أنا وأنت ، فوارغ رصاص …
الناجون من الحرب سيكملون ما تبقى لهم من مسير بجراح لا يسهل البوح بها و حكايات لا تندرج ضمن كشوفات الضحايا وخسائر الحرب