على قارعة الطريق وجدته منهك الجسد، شاحب الوجه، مثقل بالهموم، لم تعد رجلاه قادرة على حمله، ذلك الحمل الثقيل الذي قوس ظهره قد أنهكه.
بعد ساعات طويلة من المشي والبحث عن قنينات الماء الفارغة، يطلق تنهيدة تحمل في طياتها كل معاني الألم والتعب والبؤس تخرج من أعماق جوفه كثورة بركان ثائر، قرر بعدها أن يخلد إلى الراحة فرمى بجسده النحيل فوق الرصيف متكئا” على ذاك الحمل بعد أن ألقاه من على ظهره متخذا” الشمس التي تتوسط كبد السماء بحرارتها العالية لحافا” له، فهي تلسعه من كل جانب إلا أن لسعتها لا تساوي شيئا” أمام وجعه الداخلي.
صمت يسود عالمه، شرود في التفكير تملكه، نظرات بائسة تخرج من عينيه موزعة يمينا” ويسارا”، حبيبات العرق تكسو وجهه ذا اللون البرونزي اللامع فتقلقه، يمسك بيده منديلا” ليس من القطن أو الورق الناعم إنما كيس بلاستيكي التقطه من الشارع ليزيل تلك الحبيبات.
بدأت أطرافه بالتراخي رويدا” رويدا” فأخرج من جيبه الممزق حبة سيجارة وأخذ يحدق بها ممتعا” عينيه وهي بين يديه بلهفة وعشق كأنها حورية قد حازت من صفات الجمال ما حازت، السيجارة تشتعل بين شفتيه ودخانها يغطي سماء وجهه الشاحب.
دندنات يطلقها لسانه بصوت خافت تتراقص على إثرها أصابع يديه فتنسيه ذاك الوجع والتعب لبرهة من الزمن.
بسرعة جنونية تمر سيارة فارهة أمامه تقطع خلوته وتعكر صفو هدوئه الموقت، بقايا الماء على الأرض تلطخ ملابسه الرثة، بنظرة حزينة ومكسورة يرفع يديه إلى السماء شاكيا”ما أصابه.
أخذ يشد على جسده المنهك ململما” بقاياه المبعثرة المتعبة مستأنفا” رحلته اليومية، فجأة وقف أمام تلك السيارة التي لطخت ملابسه، نظر إلى سائقها بلطف فما كان من سائقها إلا أن رفع زجاج سيارته، قنينة ماء فارغة رميت من تلك السيارة، يسرع بالتقاطها، صوت عالٍ يمنعه من ذلك، زمجرة وصخب يدوي المكان، بكل هدوء ودونما ضجيج يبتسم في وجه سائق سيارة، يعيد له قنينة الماء الفارغة مواصلا” رحلته البحثية في مكان آخر.