رسالةٌ الى أمي :
لا ادري ان كان مكتوبي سيصلك أم لا ، وهل ثمة سُعاة بريد يتنقلون بين عالمينا يا أمي ، أتمنى ان تخبريني بذلك إن صادف ومررتِ بمنامي ذات ليلة .
افتقدك يا أمي ، رغم إني صرتُ كبيرة بما يكفي لأكمل المسير وحدي دون الاستدلال على طريق بيتنا بعبائتك .
أحن إلى التشبث بطرف وشائحك حين تتزاحم الهموم في قلبي ،واتوق إلى ضم اصابعي بكفك الحانية ساعات الخوف، و أتطلع حولي بحثاً عنكِ حيث تضيق الدنيا خناقها على قلبي ، أظنني لن أكبر عليكِ مهما دارت بي عجلة الزمن .
اجل يا أمي لقد تقادمت بنا آلة الزمن في غيابك ، فقادتنا الى المعرفة ، المعرفة يا أمي باهضة ، باهضة جدا وتُكلف الكثير…
فقد سقط عشقي للقمر حين عرفت أنه ليس إلا كتلة صخرية معتمة مليئة بالفجوات .
وصرت أزِنُ فنجان قهوتي وأُحصي جزيئات كافائينه حين امست القهوة تُعجّل نبضي .
وما عاد عزف المطر يشديني حين عرفت ان هناك من يفترش الأرض ويلتحف السماء .
وسقطت مني لهفتي على الأصدقاء حين علمت أن صفة صديق لاينبغي أن تُمنح للعابرين .
وحين أضاءت الدنيا بصيرتي وصرت أقرأ ما بين السطور ، خسرت عفويتي وقدرتي على تصديق كل ما أسمع .
ويوم عرفت أن ألم الشكوى قد يفوق الوجع ذاته غادرتني قدرتي على البوح وصرت أسدل ستار ابتسامتي على معظم آلامي.
أصبحت أؤثر الصمت واكتفى بهز رأسي وإشاحة بصري بعدما تيقنت أن العتاب ضياع للكلمات فمن طاوعته نفسه على أذيتي لن يرده أيّ عتاب.
المعرفة يا أمي جعلتني كما يقول درويش لا شيء يعجبني .