مــقدمة:
قسنطينة مدينة التفاصيل حيث تعانق الجغرافيا الفريدة التاريخ الحافل. المدينة المعلقة بصخرة البقاء كعاصمة ملكية للثقافة والجمال
في وطن متميز بتنوعه.
فالتنوع التاريخي الذي عرفته المدينة والتركيبة البشرية الثرية والمتعددة، له دور كبير في اثراء موروثها الثقافي، لما للعواصم من أهمية، فالأمر لا يقتصر على العمران والتشييد بل يتعداه للتنوع والتفنن الظاهر في المأكل والملبس كأسلوب للحياة وكذا أساليب العناية بالجسد والتطبيب. ومن ثمة طرق العيش السليم ومستوى الرفاهية التي تبرزها الكثير من الممارسات اليومية للسكان.
صيدلية المنزل…سر أخر:
إن البحث في أسرار الجمال عند القسنطينية على مر التاريخ، لا يقتصر على زينة هذه المرأة الأنيقة المحبة للعطور، الشغوفة بالتفاصيل من حولها بل يتجاوزه لديكور منزلها واستخدامها للنباتات التزينية، وكذا المأكل الصحي والتداوي والعلاج. والأم تحاول دائما الإلمام بكل ما يتعلق بصحة أفراد عائلتها، لذا وكجزء مهم سنحاول الإشارة لأهم مكونات الصيدلية المنزلية للأسرة القسنطينية
والتي كانت مواد طبيعية في مجملها مثل العسل وزيت الزيتون: حضورهما معا يعني الحماية الكبيرة للأسرة.
الكمون والحلبة: يستخدم كمهدئ وعلاج لمشاكل المعدة واضطرابات الهضم. خاصة بالنسبة للرضع.
نبتة الزعتر والدرياس أو بونافع: واسمه العلمي ثافسيا غارغانيكا وشاع استخدامه في بلاد الأمازيغ منذ القديم لعلاج أمراض العظام وآلام الظهر.
ومواد أخرى مثل اللبان، زيت الكافور، قشور الرمان المجففة والمطحونة. كما استخدمت بعض القطع الذهبية في أعراض اليرقان.
انطلقنا في رحلتنا من ماء الورد الذي يعطر تاريخ المدينة كجزء منه، ثم سافرنا في رحلة جمالية مقدسة عند المرأة وهي الحمام. لنختم بجلسة تصالح مع الذات لهذه المرأة داخل مملكتها المحصنة.
حسن نسائها…الهبة الربانية.
تميزت النساء في قسنطينة كغيرها من مدن الجزائر، بالأناقة والعناية بالذات، وكان لهذا الأمر مظاهر متعددة بقيت محفوظة اليوم في شكل تحف ولوحات فنية أو عادات وتقاليد محفوظة في الذاكرة الشعبية.
فقد حرصن على الظهور في أحسن حلة، لهذا كنا هناك تمييز بين لباس الشغل اليومي والذي يتعلق باهتمام المرأة بشؤون بيتها من رعاية أطفال، وتنظيف وطهي …. وهو الدور الأساسي والمحوري للمرأة آنذاك. ما يعني ارتداء ملابس تسهل العمل خاصة وأننا أمام مطبخ تقليدي يتم فيه تصنيع كل شيء من المادة الأولية. ما يتطلب مرونة الملبس مع الكنس،وتطاير البخار وآثار الفحم. وكذلك العجن وما إلى ذلك.
ينتهي هذا عندما تجلس هذه المرأة مع قريناتها أو افراد العائلة أو الجيران في مشهد ودي حول “سينية قهوة العاصر” (أي بعد صلاة العصر) لتتغير الألوان. والموروث عن نساء المدينة ميلهن للملابس فاتحة اللون خاصة الأبيض والزهري المزينة بخيوط ذهبية أو فضية. دون أن ننسى المجوهرات والحلي اليومية أو ما يعرف محليا “صياغة تاع الدوم” أي الدائمة و التي لا تعيق حركة المرأة وعملها لكنها تظهر أناقتها
وحرصها على الظهور بشكل متميز.
أما لباس المناسبات فهو دراسة متفردة لما لقندورة قسنطينة والمجوهرات المصاحبة لها من تاريخ عريق وغني، وكيف تفرد المرأة لبهجتها ألوانا وأشكالا من اللباس المتميز.
أجادت المرأة القسنطينية أنواعا مختلفة من الصناعة اليدوية مثل الخياطة والحياكة، وكانت متميزة كطباخة وفنانة في منزلها من حيث تنوع وثراء المطبخ القسنطيني.
كما أعطت للموسيقى والعزف على الآلات جزء من وقتها، فكانت الفرق النسوية ذائعة الصيت خارج حدود المدينة.
ختاما فإن الحديث عن عالم يتعلق أساسا بالمرأة وسر جمالها أمر لا يمكن حصره في بضعة أسطر، لكن نحاول فتح الباب للمهتمين للولوج لهذا العالم وسبر أغواره.
فمتاحف المدينة تضم مادة أثرية جد هامة تحتاج لاستنطاقها وتوصيل صوتها لكل العالم للتعريف بهذه المدينة الملكية التي تحتفظ بكثير من التفاصيل عن خصوصيتها وتفردها.
نحن لم ندخل هذا الحقل بعد وكل ما فعلناه هو مجرد محاولات تحتاج لدفع أقوى من كل الأطراف، لأننا مازلنا تحت تأثير الطرح القائل بأن الاستثمار في التاريخ والتراث التاريخي هو انتقاص من قيمته وقدسيته، ولكن التجربة أثبت اليوم بما لا يدع مجالا للشك بأن هذه التفاصيل مكانها الصورة الحية وليس ظلمة مخازن المتاحف وأدراج المكتبات.