كان يتفقد هندامه كل فينة وأخرى… يقاطع محدِّثيه ، أو يترك عمله جانباً ؛ ليسترق النظر لمرآته.. فيمعن النظر فيما يبدو عليه، يعيد خصلة شعر تائهة إلى مكانها، و ينفض غبارا وهمياً عن سترته، يحرك ربطة عنقه يسرى ثم يمنى.. يشرئب بعنقه وكأنه ينظر إلى نفسه من بعيد.. ثم يضيق عينيه محاولاً أن يرى نفسه بدون ألوان، تُرى كيف سيبدو لو كان العالم بالأسود والأبيض؟
كلنا منهمكون في تلميع وتزويق الصورة التي نظهر بها في عيون الآخرين، ولا أحد يفكر أن يعرِّفنا إلى ذاته الحقيقية… إلى الطفل النزق سريع الغضب ، إلى الصبّي الخجول، إلى الفرد الخطاء المختبئ وراء كل تلك المثالية. مترعون بعباراتٍ مثل :
لا تغضب.. لا تتسرع… حافظ على مستوى صوتك… لا تتحدث هكذا كيلا ياخذوا عنك فكرة. حتى صرنا لا نعرف مع من نتعامل… صارت صور طباعنا تشبه صور مجموعة نساء يرتدن طبيب التجميل ذاته… نسخ مكررة من أنوف مثالية، وشفاه منتفخة، وعيون رمادية، و رموشٌ هفهافة ..
كلنا ملائكة نشجب سرعة الغضب والكذب والثرثرة ومراقبة حيوات الآخرين، ونستنكر الغِيبة والنميمة وغيرها من الأفعال الهدّامة … شجبٌ وتنديد في سبيل تلميع الواجهات الزجاجية فحسب، شجبٌ معاق لا يحمل أي توجه جاد نحو التغيير للأفضل .
كن نفسك…أرِنا وجهك الحقيقي ولا تكن كموظفة الاستقبال التي ترسم الابتسامة البلاستيكية ذاتها .. بوجه كل رواد الفندق .
ما نفع تصنع المثالية، وكُلٌ يعلم أنّ الكمال لله وحده وأنّ ابن آدم خطّاء؟
لماذا لا نتصالح مع واقع كوننا مزيج من الاخطاء والإصابات، ولا وجود لأجنحة تختبئ تحت قمصاننا ولا هالات من نور تشع من نواصينا…
ربما لأننا نعلم علم اليقين أن لا أحد سيتقبلنا كما نحن؛ فالمتلقي مولع هو الآخر بالنمطية والصور المثالية والكل مهووس بإصطياد أخطاء من حوله.
ابدأ بنفسك واجهها بكل نقاط ضعفك .. اكسر مرآتك ، ولا تستمر في تعديل صورتك أمام من حولك مغفلاً تصويب أخطائك وتلافي نقاط ضعفك .. واجِه منتقديك.. وأمضِ في تطوير ذاتك، و استدراك هفواتك ، فالشجعان هم من واجهوا أنفسهم بأخطائهم ثم انتصروا عليها.