ومن خلال تاريخها الفني الغني والمتنوع، تمكنت من تحويل القماش الأبيض إلى لوحات تفيض بالحياة، كل واحدة منها تحمل قصة فريدة ورسالة عميقة. يختلف نهجها الفني، فهي تجمع بين المدارس الفنية المختلفة بأسلوبها الخاص، مما يضفي على أعمالها طابعًا مميزًا يجذب عشاق الفن والنقاد على حد سواء.
ويذكر إن الفنانة التشكيلية رندة حجازي من مواليد دمشق عام 1978 خريجة كلية الفنون الجميلة عام 2000 وكلية الآداب قسم اعلام عام 2008 ، ومقيمة في كندا حيث شاركت في العديد من المعارض وحصلت على أكثر من جائزة محلية وعربية وعالمية .
معها كان لمجلة نورا هذا اللقاء فتابعوه :
– بما تأثرت في بداياتك وماهي أول لوحة لك ؟
منذ بداياتي، تأثرت بشكل كبير بالمواضيع الإنسانية والعواطف البشرية. كنت أشعر برغبة شديدة في استكشاف عوالم الإنسان، والتعبير عن مشاعر الحب والفرح والألم والشوق. وأكثر ما كان يلفت انتباهي هي قضايا المجتمع و الناس وما تحتويه من ظلم وفقر و يأس في بعض المجتمعات. ولطالما قضيت وقتاً طويلاً في قراءة علم النفس و محاولة استكشاف خبايا الإنسان وفهم تجارب الناس ومشاعرهم. أول لوحة رسمتها كانت تصويراً لوجه امرأة بقلم الرصاص و الأكريليك تعبّر عن حياة المرأة العربية وما تحمله من أعباء و مسؤوليات ملقاة على عاتقها، لتكون أنثى جميلة ناعمة وأحياناً أخرى تتقمص دور الرجل لتلعب دوراً هاماً في مجتمعها، حيث حاولت أن أنقل تعبيرات الوجه ومشاعرها بشكل واضح. كانت تلك اللوحة تحاول التقاط جوهر الإنسانية وجمالها و معاناتها الداخلية من خلال تفاصيل الوجه والعيون. لذا، تحمل أول لوحة لي معانٍ شخصية وفنية عميقة، حيث بدأت في استكشاف مدى قدرتي على التعبير عن المشاعر والأفكار عبر الفن، وهو ما لا زلت أواصل تطويره وتحسينه في كل عمل جديد أقدمه.
– ماهي المدرسة الفنية التي تاثرت بها ؟ ولماذا ؟
أنا من عشاق المدرسة السريالية، وجدتُ في السريالية مرآة تعكس عوالم لا يمكن إدراكها بالعقل الواعي وحده. تأثرتُ بعمق بهذه المدرسة الفنية لأنها تستمد قوتها من أعماق النفس البشرية، ومن المناطق المظلمة والمضيئة في الوعي البشري. مدرسة تستحضر العناصر الحلمية والخيالية، تلك التي تتجاوز المنطق والعقلانية، لتخلق مشاهد تستفز التساؤل والتأمل في طبيعة الواقع وحقيقته. تُعَدُّ الرموز بالنسبة لي لغة تعبيرية غنية ومعقدة لفتح نوافذ على اللاوعي. هذه الرموز تتشابك لتخلق نسيجًا بصريًا يعكس تناقضات الحياة وتعقيداتها. أعشق أعمال الفنان سيلفادور دالي. ما يميز دالي هو جرأته الثقافية والفلسفية. لم يكن يخشى من تجاوز الحدود التقليدية للفن، بل كان يسعى دومًا لتقديم رؤى جديدة تستفز الفكر والثقافة. هذه الجرأة تحفزني على أن أكون شجاعة في تعبيراتي الفنية، أن أتحدى ما هو مألوف وأن أبحث عن الجديد والمبتكر في مسارات الفن والثقافة.
– هل برأيك الفنان هو نتاج الدراسة الأكاديمية أم هو نتاج الحالة الإبداعية ؟
الفنان التشكيلي هو نتاج تفاعل معقد بين الدراسة الأكاديمية والحالة الإبداعية، حيث تندمج هاتان القوتان في تشكيل الرؤية الفنية. الدراسة الأكاديمية تمنح الأدوات والتقنيات الأساسية لفهم وتطبيق مبادئ الفن. من خلال هذا التدريب، يتعلم الفنان تاريخ الفن، الأنماط الفنية، والتقنيات المختلفة، مما يساهم في بناء قاعدة معرفية قوية تمكنه من التعبير بشكل أكثر دقة وإتقان. الأكاديمية تُعلِّمنا كيف نرى العالم وكيف نقدّر العمل الفني في سياقات ثقافية وفلسفية مختلفة، مما يضفي على أعمالنا عمقًا إضافيًا. لكن الإبداع هو المصدر الفطري للإلهام والتجديد. ينبع الإبداع من التجارب الشخصية والعاطفية، ومن تفاعلنا مع العالم المحيط بنا. إنها حالة ذهنية تُحرّرنا من القيود التقليدية، وتسمح لنا باستكشاف الأفكار والمشاعر بطرق غير متوقعة. كما أن الإبداع يتغذى من الأحلام والخيالات والانفعالات والتأملات الفلسفية، مما يمنح العمل الفني قوة وحياة لا يمكن الحصول عليها من خلال الدراسة الأكاديمية وحدها. فالفن، في جوهره، هو حوار مستمر بين المعرفة الفطرية والمعرفة المكتسبة. الفنان الذي يتمتع بتعليم أكاديمي قد يكون قادرًا على تحويل حالته الإبداعية إلى عمل فني ذي بنية متماسكة ورؤية واضحة. بالمقابل، الفنان الذي يعتمد بشكل أساسي على الإبداع الفطري يمكن أن يخلق أعمالًا تعبر عن أحاسيس ومشاعر عميقة وغير متوقعة. من منظور فلسفي عميق، يمكنني القول إن الفنان التشكيلي يجسد التوازن بين الفكر الحر والانضباط الأكاديمي. الإبداع دون تأطير يمكن أن يصبح غير منظم، بينما الدراسة الأكاديمية دون إبداع يمكن أن تكون جامدة وفاقدة للحياة.. في النهاية، أجد نفسي نتاج حوار داخلي مستمر بين عقلي وروحي، بين ما تعلمته وما أشعر به، بين الواقع والحلم. هذه الثنائية المعقدة هي ما تجعل الفن تجربة إنسانية عميقة، تتجاوز مجرد التكوين الأكاديمي أو الحالة الإبداعية الفردية.
– نلاحظ لوحاتك تتميز باللون والجمالية ،، ما حكاية هذا الهوس بالألوان؟
اللون في لوحاتي يعكس عدة جوانب فنية ونفسية تجتمع معًا لتشكل تجربة فنية فريدة ومميزة بالنسبة لي. أولاً، استخدامي الكثيف للألوان ينبع من رغبتي العميقة في التعبير عن مشاعري الشخصية وتجاربي الفردية بطريقة قوية وملونة، حيث تعبر الألوان عن مجموعة واسعة من العواطف والحالات النفسية، واختياري للون المشبع يعزز قوة هذا التعبير. ثانيًا، اللون ينعكس أيضًا في رغبتي في إنشاء لوحات تجذب وتلفت الانتباه بسبب جمالها البصري والكثافة اللونية، حيث تعمل الألوان المشبعة على إبراز التفاصيل وتجعل اللوحة تبدو حيّة ومليئة بالحياة. ثالثًا، الألوان لها تأثيرات نفسية وعاطفية عميقة، واستخدامي للوان مشبعة يعكس محاولتي لنقل رسائل عاطفية معينة إلى المشاهد. وأخيرًا، التجريب والاستكشاف الفني يدفعانني إلى استكشاف حدود الألوان وتأثيراتها، حيث يساعدني ذلك على إيجاد أساليب جديدة للابتكار والتجديد في أعمالي الفنية.
– هل من لون يغريك أم هي ألوان مركبة وكلها لغتك؟
أغلب الأحيان أجد نفسي أنجذب بشدة إلى درجات الألوان الترابية المعتقة والمشبعة. فالألوان الترابية مثل البني والأوكر والأحمر الطوبي، تحمل معاني عميقة للأصالة والترابط بالأرض والطبيعة. تلك الدرجات اللونية تجسد جمال الطبيعة وتأثيراتها على حياة الإنسان عبر العصور. كما أنها ألوان تساعد في إبراز التاريخ والتراث الثقافي بشكل جمالي وعميق وتساهم في توثيق قصص الشعوب وتعكس جمالية وعمق التجارب الإنسانية والثقافية.
– حضرتك فنانة تشكيلية مغتربة ،، برأيك ما هو أثر الغربة على مسيرتك الفنية ، وماذا أضافت الغربة لك من ابداع ؟
تأثير الغربة على عملي له تأثير عميق ومتعدد الأبعاد. الغربة تحمل معها مزيجًا من المشاعر والتجارب التي تترك بصماتها على الإبداع الفني بطرق لا حصر لها كما أنها فتحت أمامي آفاقًا جديدة ومنحتني منظورًا مختلفًا للثقافات والتجارب الإنسانية، مما أثْرَ رؤيتي الفنية وجعلها أكثر شمولية وعمقًا. ولا يمكنني نكران أنها فرضت عليّ إعادة اكتشاف هويتي وفهم أعمق لجذوري وثقافتي الأصلية، مما دفعني لتكريس جزء من عملي لاستكشاف الهوية والانتماء. هذا البحث المستمر عن الذات في ظل الغربة يضيف طبقات من العمق والبعد الفلسفي إلى أعمالي، مما يجعلها ليست مجرد لوحات، بل قصصًا وتجارب إنسانية تعبر عن حالة الاغتراب والبحث عن الذات. بشكل عام، الغربة تزيد من حساسيتي الفنية وتجعلني أكثر انتباهًا للتفاصيل وأكثر ارتباطًا بالإنسانية المشتركة بيننا جميعًا، بغض النظر عن الاختلافات الثقافية والجغرافية، وتأثيرها عليّ وعلى عملي الفني هو تأثير تحوّلي، يدفعني للتجديد والابتكار ويجعل من أعمالي رحلة مستمرة من الاكتشاف والتعبير الصادق عن التجربة الإنسانية.
– ما هو طموح الفنانة رندة على الشخصي والعملي ؟
بالنسبة لي، الفن حالة فكرية، حسيّة، جمالية، مجتمعية وخدمية و ضرورة حياتية يومية لا يمكن الاستغناء عنها في نظام حياتي اليومي تقريباً. فأنا لا أعلم لما و متى و كيف انغرست في هذا العالم الجميل المليء بالألغاز وتورطت به لدرجة أنه أصبح نظام حياة. لذلك عملي بالفن هو نتاج فكري حسي لا يرتبط بالضرورة بأي طموح أو أحلام. إنما أشعر بمسؤلية كبيرة اتجاه المجتمع والإنسان في تسليط الضوء على أي قضيّة شائكة تخصّ و تلامس أي شخص. ومع ذلك بالتأكيد هناك أحلام وطموحات تتخطى حدود السماء في تقديم رسالتي التي وجدت من أجلها في هذه الحياة و ترك بصّمة لا بأس بها في الساحة الفنية العالمية وأطمح أن أكون صوتًا يلفت انتباه المجتمعات إلى قوة الفن كوسيلة للتغيير والتعبير عن القضايا المهمة. كما أطمح إلى تعزيز الفهم والتعاطف من خلال الفن، وتقديم رؤى جديدة حول القضايا الإنسانية والثقافية.