انها السابعة وخمس وأربعون دقيقة صباحاً حسب توقيت بغداد ..
امضي متعجلة ، أغلق باب البيت خلفي ، واتجه إلى عملي..
_صباح الخير.
_صباح النور.
صباح كصباحات سبقته ، وأخرى ستليه ، يمضي برعاية تَحايا مقتضبة.. نلقيها على بعضنا البعض.. ككل الموروثات اللغوية والاجتماعية، نعاود استخدامها يوماً بعد يوم دون الذهاب عميقا في طاقاتها و معانيها.
هنا طالب في سنته النهائية.. يحثّ الخطى إلى مقر الامتحان.
و هناك سيدة عجوز تأخذ بيد سيدة شابة ببطن منتفخ…
وعلى بعد بضعة ياردات رجل ستيني يتدلى من إحدى يديه كيس بقالة. ومن الأخرى كيس خبز… يتقدم الكهل وفي مشيته عَرَج بسيط.. يدندن بأغنية لحسين نعمة :
_يا حْرِيمة انباكت الكلمات من فوق الشفايف .. يا حْرِيمة يا حْرِيمة…
يأخذ الرجل مقعده خلف عجلة القيادة في سيارته ، وامضي أنا في مسيري نحو الناصية حيث يُفترض بي أن أنتظر سيارة العمل ..
استرق نظرة إلى شرفة صديقتي .. الازهار و نباتات الزينة تضفي بهاءاً على واجهة البيت ، رائحة الشاي المعطر والخبز الطازج وصوت التراتيل تتسلل من شبابيكها كنفحات من عطر بإمكانك سماعه بل وتذوقه أيضاً ..
حيوات تبدو مثالية لمن يطالع من بعيد..
الشاب المتفوق.. الأول في صفه.. يسابق الزمن.. ليلحق بالامتحان.. سيتخرج بمرتبة متقدمة وتقديرٍ عالٍ هذا الصيف،
كان قبل أن يصادفني بثوانٍ قليلة قد اقفل الباب على أبيه المقعد .. سيؤدي الامتحان بنصف عقل ونصف قلب .. فنصفه الثاني تركه عند والده المريض .
والسيدة ذات البطن المنتفخ،كان لديها موعد في المشفى القريب، ستضع مولودها الأول.
ياله من يوم جميل لولادة طفل.. لكنها ستدشن عالم الامومة دون أمها التي رحلت عن عالمنا في حادث سير قبل اقل من شهر.
أما جارتي صاحبة أُصُص الورد ورائحة الخبز .. فهي تعد الكعك والخبز الطازج و تبيعه ؛ لتعيل أيتاماً سلبت الحرب أباهم ..
الكهل المُسلطن الخارج من المخبز.. كان يمشي بساق واحدة وأخرى اصطناعية .. هو الاخر نالت الحرب منه فأخذت إحدى ساقيه..
كلها سعادات و نجاحات ندفع ثمنها مسبقاً.. ابتسامات نسترقها من بين أنّات عالمنا المتناقض، و لا شيء يكتمل على الأرض..
اغلفة القصص اللامعة تنطوي على حكايات لحيوات حلوة ومرة.. سعادة وشقاء.. نور وظلام.. ليل ونهار…عدل وظلم.
و هكذا تستمر الحياة… .
ندوس كل يوم على آلاف النقائض المتشابكة داخل نسيج واحد اسمه الحياة.