– استأصلت صديقتي شامةً (خال) تُزيّن ذقنها منذ سنين؛ لأنها اعتقدت أن الشامة تسلب وجهها شيئاً من بريقه !
– تحملت سيدة جميلة وخز إبر الفلر والنضارة وكل المضاعفات المحتملة رغم أنها جميلة بشهادة الجميع ولا تحتاج لكل هذا العناء !
– رفضت فتاة الإقتران بشاب ذو خلق ومال وسمعة طيبة ،ينحدر من عائلة كريمة مُعللة رفضها بأنّ له أنف كبير !
– وقفت إحدى الخريجات عابسة على مدرج التخرج وباءت كل محاولات رفيقاتها لحملها على الابتسام بالفشل كانت بمزاج سيء لأنها اعتقدت أنّ لون سترتها باهت ولا يتماشى مع ما ارتداه باقي الخريجين!
– اشتكت اخرى من زوجها الذي نسي عيد ميلادها قالت ذلك مذيلة شكواها بالتشديد على كونه طيب القلب وحنون وكريم وداعم لنجاحاتها ومتفتح الفكر!
– بكت إبنة صديقتي لثلاث ليالٍ متواصلة بعد حصولها على علامة ٩٩٪ في إحدى مواد الإمتحانات رغم حصولها على علامة المئة في باقي المواد !
– رفض ناقد مغمور إكمال قراءة الكتابٍ بعدما اكتشف أن همزة قد سقطت من على رأس ألف ما في المقدمة !
تحملت صديقتي الجميلة وخز ابرة البنج لان الخال هو الغلطة التي تقض مضجع شيطان الكمال الذي يعشش في عقلها ، ذاك الشيطان الذي تغذيه المثالية الكذّابة المعلقة كغسيل مُبتذل على كل حبل في كل مكان هنا وهناك على منصات الوهم وتطبيقات التواصل.
والخريجة التي سلبتها سترة باهتة فرحة أجمل أيام حياتها ، كانت تريد ليوم تخرجها أن يمر بدون أية غلطة ، مهما كانت تافهة؛ لكنها تبقى غلطة في معايير الكمال المطلق! لا مكان للغلطات في صورة ستعيش دهراً رغم أنني أنتمي لجيل لا يزال ينظر بود و حنين كبير الى صور باهتة من زمن غابر نظهر فيها بعيون مغمضة …
ورفضت الصبية ذلك الخاطب المتكامل المزايا لأن له أنف كبير إذ كانت تطمح للظهور بصحبة زوج خالي من العيوب والشوائب، زوج بأنف لا يفتح شهية صديقاتها للنميمة والتنمر ، زوج لا تناديه (في سرها) ساعات غضبها : أبو خشم ، هي الاخرى كانت من جماعة ولا غلطة !
والناقد الذي أغلق الكتاب فور اكتشافه لأمر الهمزة الهاربة من على رأس الألف هو الآخر ممسوس بشيطان الكمال .
أنه وهم الكمال المطلق ومغالطة ال (ولا غلطة ) التي تُغوي الكثيرين ،تغذيها مثاليات المجتمع الافتراضي .علينا أن نظهر للناس دون ادنى شائبة كالواجهات الزجاجية التي تلمع لضوء الشمس ووميض الكامرات ، علينا أن نكون كالقشدة الناعمة الطافية على وجه كوب من الحليب، ان نطلي انفسنا بالكريمة والهلام كقالب الحلوى ، وان نكون ناصعي البياض كالغسيل الذي يظهر في اعلانات مساحيق التنظيف ، على العالم ان لا يرى ما ينقصنا…
رغم ان النقص هو صنو الاكتمال ورغم أن العيوب الشكلية تتحول الى مزايا حينما تحتضنها أرواح جميلة .
ربما علينا ان نتعلم كيف أنّ الاكتمال هو الوجه الآخر لإنعدام المزايا …