سياحة و سفر

أسواق دمشق … بين التراث والسياحة والتجارة

عمر شريقي

بين الماضي والحاضر ترعرعت أعاجيبها، وتجسدت قصصها، ناسجة أجمل النوادر والحقائق، يسكن عبقها الممزوج بتاريخ دأب دوما على الاشراق، خارجا من الزمن بأبهى الصور وأندرها، ﻻ عجب في ذلك فأسواق دمشق تختصر حضارات وثقافات، جهود وسعي، تخبرنا في كل شبر فيها عن حكاية، عن أوابد، واسطورة أو معجزة، تتنوع وتتلون بين التاريخ و الفنون المعمارية واليدوية، بين الابداع الإنساني والحفاظ على كل ما هو عريق.
لأسواق دمشق حكاياتها الشيقة، المزدحمة بالشغف.. ﻻ نبالغ ان قلنا ان تلك الأسواق تاريخ بأكمله، و عناوين لحضارات مرت، وان كان العنوان الذي نقرأه تجارة، إلا أن تلك الاسواق تحتفظ برونقها و اسرارها الإنسانية والاجتماعية، ومازالت تشع ببريق كنوزها المختلفة المخبوءة، التي تحفظ بين ثناياها عبق فواح بالعزة والعطاء، حول كل ذلك حدثنا باحث خبير في تواريخها ودقائقها ليتحفننا بأجوبة لأسئلة هائمة من هول الإعجاب كي ترضي ما يخالج عقولنا من انبهار بكل تلك المعجزات الماثلة امامنا، والقادمة من الصفحات البيضاء لتاريخنا، مترجمة مراحل وفترات تاريخيه وانجازات انسانية .


حديت شيق وغني، يكتنز بالمعلومات الدقيقة والمبهرة للدكتور( شعلان الطيار) الذي بدأ كلامه حول أسواق دمشق قائلا: توزعت الأسواق في جميع أنحاء المدينة ، إلا أن التركيز بشكل أساسي، كان في محيط الجامع الأموي وعلى محور الشارع المستقيم، وكان السوق الرئيسي في المدنية، ويمتاز بالطول، حيث يصل إلى ثلاثة أميال تقريبا، كانت الأسواق بشكل عام تخصيصيه، الهدف من ذلك توزيع الكتلة البشرية بحيث يتجه كل الى حاجته للتخفيف ما أمكن من التجمعات، وكل سوق له زبائنه… المنطقه التجارية تركزت في الجزء الجنوبي الغربي من المدينة ،و لم تكن الحانات مختلطة سابقا كما هو في زمننا الحالي، بل كان هناك تخصصا بنوع محدد من السلع، وتلك الأسواق سميت باسمها أو باسم العاملين فيها، مثلا سوق الخياطين الحدادين وسوق النسوان الصوف الحرير القطن وغيرها.. تغيرت فيما بعد ، كما اختفت أسماء منها أيضا، و توسع بعضها من تخصصية الى عامه ،والتي كانت تتوسع جميعها في محيط الجامع الأموي ومحيط الشارع الطويل، تواجدت في السوق خانات كثيرة بنفس أسماء الأسواق المتفرعة… عرف سوق مدحت باشا ب السوق الطويل أيضا، و يعود الى الفترة الرومانية، و بعد أن تم تنظيمه، سمي باسم مدحت باشا ، وهو من أعرق الأسواق الشرقية الهامه.

السوق مسقوف لمسافه كبيرة منه، فيه حوانيت ومحلات ذات صبغة تاريخية، وهو موازي لسوق الحميدية، يتفرع منه أسواق متخصصه، و فيه الكثير من الخانات الأثرية و المساجد القديمة، والمشيدات و التفرعات المليئة بالمباني التاريخية والقصور، متل قصر أم عسال، ومكتب عنبر، وهو بيت دمشقي رائع ، يعتبر أحمل نموذج للبيت الشامي، وقد اصبح قصرا للثقافة، يتميز بالمساحة الفسيحة، والزخارف وتزينيات لها جماليات كثيرة، تعكس الروح الشرقية، كما أن واجهاته مليئة بالفنون العريقة ، يوجد العديد من الكنائس والمقدسات في الجزء المكشوف مثل كنيسة حميميه . ومئذنة الشحم والمصلبة وغيرها ، يمتد على جانبي السوق محلات وحوانيت ذات أقواس وخانات أثرية، تحولت الى محال تجاريه، وهذا القسم من السوق تتصل فيه حارات قديمة عريقه، فيها الكثير من عبق التاريخ، إذ تم تحويل العديد من البيوتات فيها الى مطاعم ومقاهي شرقيه وغاليرا ، اشتهر السوق بالصناعات النسيجية و العباءات الرجالية والقماش الدمشقي والديباج و الصناعات المحلية المتميزة ، و فيه محلات لبيع الشرقيات والموازييك، و المصدفات المشغوﻻت اليدوية و النحاسية والفضيات والأنتيكا وأدوات الزينة.

وعن سوق العصرونية والبذورية الذي يضم أسواقا عدة وتغيرات كثيرة و أسواق تتلاقى معها ولها نفس السمات الكثيرة ، تابع الدكتور ردا حول خصوصية تلك الأسوق فقال: سوق العصرونية تم تأسيسه قبل 150 عاما، و شهد وﻻدة أول سوق للبورصة.. في جزء منه مجموعة محلات ، ربطت العصرونية بالحميدية هي الآن لبيع ادوات الزينة الخاصة بالمرأة من مكياج وعطورات و غيرها، و في أربعينات القرن الماضي، كان يجتمع فيه تجار دمشق لمعرفة أحوال المال، و أخبار البورصة العالمية قبل إلغاءها .. قيل أن سوق العصرونية سمي ب العصرونية نسبة إلى ابن أبي عصرون، فهناك مدرسة باسمه في وسط السوق، ورأي آخر يقول لكثرة اكتظاظ السوق في أوقات العصر، وقد تخصصت عشرات المحلات ، التي ضمها ببيع الأدوات المنزلية و النحاسية والزجاجية و ادوات المطابخ. العصرونية سوق مكشوف توسع بعد اعادة ترميمه الى محال تجارية مميزة، استقطبت الكثير من التجار ،وقد أعيد بناءها على الطريقة الحديثة، ووصل عدد المحلات لأكثر من أربعمئة من المحلات العامرة بأجود المنتجات الفاخرة و تفرع عنه اسواق أخرى كما يتواجد فيه أبنية اثرية لها أهميتها ، منها دار الحدث الأشرفية ، ومدرسة زهرة خاتون، و جامع قديم اسمه الخندق. أما سوق القباقبية المشهور بصناعة القبقاب الشامي، وصنع الصناديق المطعمة يالصدف تغير الى بيع الشرقيات والفضيات والانتيكا، و هو مزدحم دوما، لأنه الطريق الذي يأخذ الزائر والسائح من الحميدية إلى حارات دمشق القديمة ومقهى النوفرة، والمشيدات الأثرية التي تحولت الى مطاعم ومقاهي بطابعها الشرقي الآسر. سوق البزورية سوق العطارة والطب الشعبي والأعشاب والبذور والفواكه المجففة والسكاكر والشوكولا وغيرها من المواد الغذائية ، يمتد ببن قصر العظم وسوق الصاغة، وصوﻻ الى مدحت باشا، وقد توارثت عائلات دمشقية حوانيتها ،و مازال احفادها مستمرون يستثمرونها . لهذا السوق شهرة كبيرة عبر التاريخ. يوجد في هذا السوق أجمل منشأتين معماريتين قديمتين، أولهما خان أسعد باشا وهو اكبر و اجمل خانات دمشق، بل وأجمل خانات الشرق الأوسط، وهناك حمام نور الدين الشهير، و قصر العظم الشهير ، إنه سوق تراثي شهرته التجارية كبييرة وخاصة. وبالنسبة ل سوق الحريقة كان يعرف باسم سيدي عامود، اطلق عليه الاسم بعد أن قصفه الفرنسيون، وحرقت أجزاء فيه، كما دمرت مناطق أثريه كتيرة منه، ولسوق الحريقة أهمية خاصة بسبب موقعه المركزي، وحضور حركة تجاريه كبيرة جدا فيه وإقبال مدهش وتنوع وغنى، يصل عدد محلاته الى أكثر من أربعة الآف محلا.

أما سوق الخياطين أيضا سوق تراثي ضخم يصل بين سوق مدحت باشا والحريقة، كان لبيع الأجواخ، ثم تحول إلى المتاجرة بالخيوط الحريرية والصوفية ، والملبوسات الشامية الجاهزة ولوازم الخياطة.. في شوارع سوق الخياطين أيضا أماكن تاريخية مثل المدرسة النورية الكبرى، وقبر السلطان نور الدين، وسوق النسوان المجاور الواصل بين السوق الطويل والحميدية، وهناك سوق الصاغة المختص بصياغة المجوهرات والمعادن الثمينة، ضمن سوق الصاغة أيضا كان مجموعة من الحرف التراثية واليدوية التي أبهرت دوما من يراها ، ولطالما تحدث السائحون عن انبهارهم وإعجابهم بتلك الأسواق القديمة الحديثة . دمشق القديمة لها أهمية خاصة و خصوصية بشكل عام، اسواقها ﻻ زالت تحافظ على عبقها و نمطها، حيث يمكن استخدام خاناتها وتوظيفها سياحيا ،و استثمارها بحيث تستخدم غاليريات ومراكز ثقافية ضمن المدينة القديمة، لتوظيفها ضمن المسار السياحي وإعادة تأهيل بعض الخانات الأخرى للحرف التراثية ، لبيع المنتجات التقليدية الشرقية، المتقنة الصنع والمبهرة بفنونها، وتحويل بعض الأماكن في دمشق القديمة للإقامة ك نزل سياحيه ليتم العيش ضمن الأجواء التقليدية والتراثية، واستثمارها في اتجاهات عدة إضافة إلى الجانب التجاري..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى