الكاتبة بشرى محمد أبو شرار « كاتبة قصة ورواية مواليد فلسطين غزة , تلقت تعليمها الابتدائي في مدرسة القاهرة الابتدائية المشتركة والمرحلة الإعدادية مدرسة « المأمونية للاجئات الفلسطينيات « والمرحلة الثانوية حيث مدرسة الشهيد « مصطفى حافظ «ثم أكملت تعليمها في كلية الحقوق , جامعة الإسكندرية .
** سألنا الكاتبة بشرى عن طفولتها ، حيث علموكم أن المطالعة تصنع الكاتب هل هذا صحيح برأيك ؟
نعم هذا صحيح , لأن طفولتي وصباي كنت أركن إلى عالم القراءة , في الطابق العلوي من بيتنا في « غزة « كنت وكتبي وأصوات أخواتي وجيراننا تصلني وأنا في عالمي حيث كتب . واستقيت ينابيعي الأولى في حبي للفكرة ودهشتها من خلال عالم القراءة ، وعالم القراءة كان عالم والدتي التي أخذتني معها إلى عالم القص , كانت تعيد الحكاية إلينا بأسلوبها هي مرات ومرات وفي كل مرة تنسجها من عالمها وروحها المتقدة بالجمال , فأحب الفكرة وأحب أن أتميز في قلبها , فكان عالم الوصول إليها من عالم القراءة
** في قصتكِ القصيرة «رحيل « تطرحين سؤالا راود الكثيرين ، « لمن سأترك أشيائي ، قرط أمي ومناديلها ؟ لمن ساترك حجرتي «؟ … أتهمكِ صديقتي باعتقال الوطن بين أربع جدران ذاتك ، أم أنكِ جعلت من هذه الذات الرقيقة غرفة حميمة اتسعت لتغدو وطنا , اختاري أحد هذين الاتهامين ودافعي عنه ولتكن مرافعتكِ بجمال لغة قصتكِ الرائعة «رحيل».
هي قصة « الرحيل « كنت أنا وروحي المنهكة , كنت أنا ومحطات الرحيل , وكل تفاصيل حاجياتي من وطن وطن , شال أمي , ومعطفها الذي هو الهدية منها يوم عبرت اليها من بوابات العبور , عدت بشال الحرير من خيوط كنعان , عدت ومعطفها الذي يهديني دفء وروح الوطن , الوطن لا يرحل عنا ولا نرحل عنه , هو الساكن فينا في كل الدنيا , شمسه أبدية لن يطالها أفول .
** متانة حبكة روايتكِ «مدن بطعم البارود « تراودنا عن أحلامنا الشهيدة ، تشرق جلية باهرة ، ثم تومض من خلف اشراق دم يصل بيروت بدمشق , ويربط بغداد بالعاصمة الأولى ويقرن أوجاع فلسطين بآلامها التي تجذرت وتشطرت سنوات سبع ، مضروبة بألف سبع من الدهور ، كيف نجحتِ بإيجاد حبكة غير استعراضية بل عفوية بقوة الحدث وقوية كصوت انسكاب دمهم , دم شهدائنا؟
هي مدن بطعم البارود عشت عشرية النار فيها , كيف لي بحبكة وأنا المجدولة بكل تفاصيلها , رواية كتبت نفسها من ملحمة وطن , رواية هي الحدث والصوت الحق وروح الحقيقة , كنت أقابل الليل بنور النهار أتابع الأحداث وأكتب كي لا تذوي الحروف وتغيب تحت قصف نيرانهم , كتبت من مرثية وطن يحيا بروح الصمود والتحدي والمقاومة , حيث شهداء قدموا الروح لأجل وطن يعشقوا ترابه ، مدن بطعم البارود كتبتها وكانت ودون تخطيط بداية للجزء الأول من ثلاثية روائية « قارورة عطر « « تاج الياسمين … أغنية كنعانية « اكتملت ثلاثية مدن بطعم البارود ومن له الفضل في ذلك الدكتور نزار بني المرجة , يوم تحدثت معه أن الأحداث لم تنته من عشرية النار وأنا انتهيت من كتابة « مدن بطعم البارود « وحالة الكتابة ومتابعة الأحداث لم تغادرني , فقال لي « استمري ولا تتوقفي « فكانت ثلاثية مدن بطعم البارود ….
** كأنكِ فلسطين الجميلة وفيها ما يكفي ويفيض لتكتبيه ، رأيتكِ في مدن بطعم البارود تصنعين قلائد روايتك ، وعرائس كلماتكِ متى تكون الكلمة عروس أدب ومتى يكون الأدب عريس أمة ؟؟
الكلمة هي نبض الحقيقة , وعين الحقيقة لا تنام , هذه تجليات الأدب وما يقدمه لتنمية الوعي من روح فكرة تزيح ضاب الوقت , فكرة تهزم المؤامرات التي تحاك على شعوبنا , فكرة كما نور شمسنا الأبدية …
** نثرك اجمل من قصيدة …لماذا لم تكتبي الشعر ولم تخوضي بحاره ؟اما راودتكِ في مطلع كتابتك رغبة حارقة للعبث بأوزان الخليل ؟والسباحة حتى العمق ، في بحوره الستة عشر ، في احد بحوره على الأقل ؟؟
أعشق اللغة الشاعرة , أعشق بيت القصيدة , وأنا التي أزهرت مواقيت ربيعي على قصائد «محمود درويش « أنا عاشقة لحروف الأبجدية وأنتمي إلى لغتي العربية , وأعشق لأن أكتب من عالم حر وحر لا تحكمه الأوزان وعالم القوافي , لغة الشعر تسكنني , وأكتبني من روح قصيدة …
** ليكن تقليديا هذا السؤال ..كتبتِ الرواية والقصة القصيرة ما هي احب رواياتك الى روحك وقصصكِ ايضا ..؟
يقول جل الكتاب « كلهم أبنائي « فكرت في إجابة , وجدتني في رواية « شمس « وقد كتبتها عن طفولتي في فلسطين , حين أمر بها تحضر جدتي « فريزة « , جدي جاحظ العينين , تحضر مغامرات شمس الطفلة على تراب مدينتها « غزة « التي تعشق ترابها , رواية رسمت فيها مدينتي , حضرت « غزة « طازجة على الورق , من ذاكرة تكالبت عليها أقصى ألوان القهر والتغريب وكتبت الإهداء على أول صفحاتها « إلى مدينة الحلم الطويل … غزة «
** هل تدعين الى التخصص في الكتابة للتركيز على الإبداعِ في جانب محدد ام تؤمنين ان المبدع قادر على امتطاء صهوة ابداعه في كل الميادين ؟
الكتابة من مبدع حقيقي لا تحتاج إلى خطة , بل الكاتب تأخذه الفكرة التي تلح عليه وتؤرقه لأن يكتبها , فيطاوع قلمه ويذهب إليها , لكن الكاتب فكرة وموهبة وجهد ورسالة , الكاتب مشوار حياة , وكما قالت الشاعرة الفلسطينية « فدوى طوقان « الرواية رحلة جبلية صعبة « ويبقى الكاتب تجسيد لفكرة الرسالة في كل الميادين.
** ماذا أضافت لك مصر التي تقيمين فيها ؟.. وهل تعتبرين نفسك مصرية فلسطينية ؟
حين أمر في شوارع مصر لا أرى أماكنها , أصير هناك , وحين أرنو لشروق الشمس أرنو لنور جاء لي من بوابتها الشرقية , حيث فلسطين , الحياة بعيدا عن فلسطين أطفأت أنوار كل المدن , إلا نور وطن أعشق مواقيت صبحه ومساءه , أنا لا أجدني إلا من روح فلسطين و الروح هناك والجسد هنا , أحيا متجذرة تحت شجرة « بلوط « أرنو إلى ظل شجرة لوز , إن بحثت عني لن تجدني هنا , أنا هناك , أعيش مرثية وجع , ألم وفقد لوطن لم تغب شمسه عن حجرات قلبي .
** جوائز عربية كثيرة اليوم مخصصة للرواية خاصة , ما هو موقفك من هذه الجوائز ومدى نزاهة نتائجها ؟
الجوائز لن ولن تكون هي التقييم الحقيقي لمن ينالها و الجوائز لا تشغلني , لأن الفن الحقيقي يعيش بعيدا عن المردود والمعطيات والمكتسبات , الفن الحقيقي هو من روح ووجدان مبدع جائزته الحقيقية أنه قدم ابداع حقيقي قد يكتب له الخلود بعيدا عن طقوس مسميات « جائزة « , للأسف الجوائز صارت تخضع لمعايير وحسابات , حتى بعض الأحيان يكون الحصول على جائزة انتقاص من قدر الأديب , نحن نفتقد للنزاهة والمصداقية من خلال هذه المحاور والمسميات , وبسببها أفرغت كلمة « جائزة « من مضمونها .