عندما تتآلف تلك المعاني الإنسانية السامية مع الموسيقى التي هي ذروة النتاج الفكري والحسّي، وتتجانس الأصوات بنسبها المختلفة مع فلسفة الوجود بما فيها قوانين الفيزياء، فسندرك أن هناك انطباعات جديدة مغايرة لتلك التي خبرناها للوهلة الأولى لكل ما كنا قد قرأناه وسمعناه سابقاً من الكلمات والموسيقى .. حيث ستستوقفنا كل نوتة موسيقية لتضيف سحراً خاصاً وكذلك كل كلمة ..
انها الأديبة المبدعة وأول مؤلفة موسيقية إماراتية ايمان الهاشمي ، معها كان لمجلة نورا الحوار التالي:
** إيمان الهاشمي أول إماراتية تؤلف الموسيقى الحديثة ،، من كان وراء هذا الإنجاز أو الابداع؟
أولاً التلحين موهبة ربانية تأتي بالفطرة، أما بالنسبة للتعليم فهو الوجهة الصحيحة لصقل هذه الموهبة. وتعلم التلحين من دون وجود هذه الهبة الإلهية، يكاد يكون مستحيلاً، حتى وإن نجح الشخص في تقديم لحن ما، فربما يصل إلى الأذن خاوياً أو لا روح فيه، ثانياً لا يمكن لأي انسان ان يبدع دون دعم المقربين إليه من الأهل والأصدقاء ولذلك أهلي وأصدقائي كانوا اللبنة الأولى التي دعمتني ووضعت قدمي على الطريق الصحيح، وبالطبع لا أنسى دور دولتي الحبيبة التي كان لها الفضل الأكبر في دعم المواهب وخاصة القوى الناعمة على أراضيها، فالإمارات بيئة إبداعية من المستحيل من يعيش عليها ألا يبدع.
** وما هو أول مؤلف موسيقي لك؟
أول مقطوعة كانت لأمي فهي أول جمهوري منذ منَّ الله علي بهذه الموهبة، وكذلك توجد مقطوعة لأبي الغالي ولكل فرد من أسرتي الحبيبة وأصدقائي المقربين أيضاً، ولا يمكن ألا أذكر مقطوعتي التي ألفتها لبابا زايد (رحمه الله) في ذلك الوقت من الزمان، فالحقيقة أن أول ظهور إعلامي لي كان في عام 2001، في المجمع الثقافي بالحفل الذي كان يقيمه المجمع، وذلك بمناسبة عودة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، من رحلة علاج، فطلبوا مني أن أعزف وأعجبوا بأدائي، وإحساسي العميق بالنغمات، فقد كنت أريد أن أعبر ببراءة عن فرحتي بعودته سالماً من خلال لحن بسيط عزفته أوتار قلبي، وللمرة الأولى عزفت مقطوعة موسيقية عنوانها «بابا زايد» أمام الجمهور.
** كيف تمزجين الموسيقى الشرقية والغربية، وتبرعين في تحقيق انصهار بين أنواع مختلفة من الموسيقى.. حدثينا عن تجربتك ورحلتك الموسيقية؟
لا أعلم ماهية الآلية التي تدور بداخلي ولكنني أمزج بين الموسيقى العربية والغربية بحكم الفطرة والموهبة وعشقي وولعي الكبير بالموسيقى فمثلاً في مقطوعة «صوت الصمت» والتي احتوت على أصوات البيانو والناي والتشيللو وقمت لاحقاً بتوزيعها للأوركسترا، وقد لاقت نجاحاً كبيراً، أما مقطوعة «قصة حبي» فمزجت فيها بعض آلات التي وقتها لم أكن قد أستخدمها من قبل، وقمت بعزفها في إيطاليا في معرض إكسبو 2015 وكنت أول إماراتية تمثل بلدها الحبيب وتعزف ألحانها خارج الدولة، وفي مقطوعة «رحل مع الهاجس» فهو لحن قريب من قلبي مزجت فيه آلة البيانو مع العود والساكسفون في مقطوعة واحدة، كما مزجت آلة البيانو مع الجيتار في مقطوعة «لست وحيداً» وعزفت مقطوعة «النجاح» بتشجيع من الموسيقار نصير شمه عازف العود والملحن العراقي، وشاركته في عزفها في بيت العود عام 2011، وهنالك أيضا مقطوعة «الشهيد» التي نالت إقبالاً كبيراً، وهو إهداء لجميع شهدائنا الأبرار، واستخدمت فيها الآلات الموسيقية العسكرية فقط واستبعدت آلة البيانو تماماً، أما مقطوعة «فقط من أجلك» فقد قمت بإعادة توزيعها مؤخراً من عزف منفرد على البيانو إلى أوركسترا كاملة، وبالمناسبة لست محترفة في قراءة النوتة الموسيقية، ولكن أعرف أساسياتها بحكم الخبرة والمزاولة، فهنالك العديد من الموسيقيين البارعين الذين لم يقرؤوا النوتة مثل: ياني وبول مكارتني، ولكني أؤمن بوجوب صقل المواهب، فقد ساعدني ولعي بالقراءة كثيراً حيث تعلمت وقرأت كتب كثيرة في مجال الموسيقي، أما عن التأليف فأنا أقوم بتلحين خط البيانو أولاً في الغالب، ثم أسمع داخلياً خط الآلة الأخرى، فأقوم بإضافة الآلة المناسبة ثم أضيف الآلة الثالثة والرابعة، وهكذا.. إلى أن تكتمل المقطوعة الموسيقية بشكل أوركسترالي كامل.
** الموسيقى كان لها تأثيرها العميق في حضارات العالم القديم جميعها، مثلها مثل المسرح والشعر.. هل تعتقدين أن هذا التأثير تراجع ؟ وما هي الأسباب؟
كما نعلم جميعاً بأن العصور الموسيقية اختلفت مع مرور الزمان وقد قمت بشرح ذلك بالتفصيل في كتاب كتبته عن تاريخ الموسيقى ابتداء من العصور الوسطى وعصر النهضة والعصر الباروكي والعصر الكلاسيكي والعصر الرومانسي وانتهاء بالعصر الحديث، وكل عصر له خصائص ومميزات تختلف عن العصور الأخرى ومن هذا المنطلق لا أرى أي تراجع للموسيقى مطلقاً، وإنما مجرد اختلاف بسبب مواكبة العصر التكنولوجي والتقنيات الحديثة وغيرها.
** ايمان الهاشمي ليست موسيقية فقط وانما أيضا كاتبة وأديبة وشاعرة ورسامة ،، ماذا يعني لك هذا التنوع الجميل
لا أرى فرقاً في معاني الفنون، لأنها جميعاً لغة الروح التي تنطق بلسان الفن الجميل، وهذا في حد ذاته أجمل رابط يربط جميع الفنون ككل، فتبدو وكأنها في جلسة حوارية بين الأرواح باختلاف الطرق التي تتحدث بها، فأنا أرسم إذا شعرت برغبة في احتضان الريشة والألوان وتقبيل جبهة لوحتي البيضاء من حين لآخر، أما الكتابة فهي جوهري الأساسي، وقد أصدرت 6 كتب إلى الآن، وقد سعيت إلى إظهار مدى الجمال الموسيقي في اللغة العربية، فتشعر وكأنك تقرأ الموسيقى بالكلمات ومن دون نوتة، فهو اتجاه جديد في أساليب الكتابة يميل إلى الديناميكية التي تعتمد على التلاعب بالحروف والكلمات، وذلك لمناقشة بعض القضايا الاجتماعية والإنسانية بطريقة ساخرة لم يعهدها القارئ من قبل.
ولذلك لدي جملة شهير عادة ما أقولها (أكتب غالباً، ألحن أحياناُ، أرسم نادراً، وأحب دائماً).
** ايمان الهاشمي المعجونة بالموسيقة إلا أنك تحملين شهادة البكالوريوس في الموارد البشرية بتقدير امتياز، فكيف توازنين بين الأمرين؟
في الواقع أنا أيضاً حاصلة على ماجستير آداب في فنون الاتصال والعلاقات العامة الاستراتيجية بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف، وأستعد بإذن الله تعالى لإعداد الدكتوراه في فلسفة الاتصال، أما عن التوازن فهذا أمر ليس بالسهل وليس بالصعب فالفراغ آفة العصر والحمد لله لا أترك وقت فراغ لي أبداً كما ان التوفيق أولا وأخيرا هو من عنده سبحانه وتعالى.
** ماذا تطمح المبدعة ايمان الهاشمي مستقبلا سواء في الموسيقا أو الأدب؟
حالياً كل طموحاتي الأدبية والفنية بأن يعم السلام في الأرض، ولا أستطيع التفكير بغير الإنسانية ونشر الخير والحب والتفاهم والتعايش بين البشر.