سياحة و سفرفنون وثقافة

حي القصبة العتيق في الجزائر.. عمارة عثمانية آسرة

تقرير : سهيل جوداد

تعد «القصبة» بالجزائر من أهم الأماكن السياحية في الجزائر ، وهي مدينة قديمة تم بناؤها في العصر العثماني لتكون مقراً للسلطان، وقد تم بناؤها على الجبل المطل على البحر الأبيض المتوسط بقصد حماية المدينة، كما تتميز القصبة بأزقتها الضيقة وجمالها المعماري، وقد كانت القصبة في الجزائر العاصمة عبارة عن حصن تغلق أبوابه ليلاً.
إلى جانب هذه البيوت الجميلة، تضم «القصبة» أيضًا عدة قصور أهمها قصر مصطفى باشا، وقصور «خداوج العمية» و»الرياس» و»دار عزيزة»، قصور تغري زوارها بحكاياتها المشوقة وتفاصيلها المثيرة.
يتميّز قصر مصطفى باشا بدرجة عالية من الجمال والجاذبية، خاصة هندستُها المعمارية البديعة، فقد بني على شكل قلعة ويحتوي على ثلاثة طوابق، ناهيك بالأرضي الذي خصص لضيوف الداي، أما الطابق الأول للداي وعائلته، والثاني للأقارب، والطابق الثالث والأخير فخصصه للعبيد والعاملات بالقصر.
عند مدخل القصر مباشرة، تجد «سقيفة» جدرانها مزخرفة بأنواع رائعة من الرخام الخالص وبلاط مزركش بأشكال هندسية جميلة، بها مجالس لانتظار أمر الدخول للقصر، تليها قاعة الاجتماعات لديوان الوزراء وخطبة الداي، مزخرفة بأشكال ورسومات مختلفة تعود للقرن الـ18.

من مميزات قصر مصطفى باشا أن جميع أبوابه كبيرة الحجم مصنوعة من الحطب، بها باب صغير يسمى «خوخة» يفتح دائمًا في فصل الصيف، أما في الداخل فتوجد غرف كثيرة، على أحد جدرانها الخارجية توجد ثلاث فتحات تسمى «الريحيات»، وثلاث فتحات أخرى قرب سقف الغرفة تسمى «الشمسيات»، تستعمل لتهوية الغرفة.

. ما يميز القصر الذي بني سنة 1798، في القصبة السفلى بالقرب من البحر، احتواءه على أكثر من 500 ألف قطعة بلاط رفيعة تملأ كل مكان فيه، وهي ذات ألوان جذابة ومرتبة بذوق فني رفيع، إضافة إلى أعمدة من السيراميك الإسباني والتونسي والإيرلندي.
فضلًا عن قصر مصطفى باشا نجد قصر «خداوج العمية» الذي يقع أسفل حي القصبة، يعد هذا المكان تحفةً خالدةً وأسطورةً عثمانيةً حيةً وأحد الروائع المعمارية النادرة التي تتلألأ قبالة الواجهة البحرية الموروثة عن العهد العثماني.

مرور الزمن ومخلفات الاستعمار الفرنسي، لم تفقد هذا المعلم التاريخي رونقه الخاص، فجدرانه وأعمدته وأقواسه وفوانيسه ما زالت شامخة، ويتكون هذا القصر من ثلاث وحدات بنيت على ثلاثة طوابق، أولها أرضي يقودك إليه درب صغير موشى بجداريات من الرخام المزخرف، أما الطابقان الثاني والثالث، فتعثر فيهما على مشربية السلطان وطقم كامل من غرف النوم والاستراحة وكذا الحمامات، وتخضع غرف الطوابق العلوية لتصميم ثلاثي يتكون من فضاء أوسط عميق وآخرين جانبيين. يؤدي المدخل الرئيسي للقصر إلى ممر يمكن من حجب داخل الدار عن الأنظار، يوصل الممر المتعرج إلى صحن صغير تحيط به غرف للإقامة، ويتوسط القصر، مثلما هو حال جميع قصور الحي وبيوته، صحن طويل بنسق فناء شاسع تزينه فصيلة من الأقواس الرخامية أبدعت الأنامل التركية في بسطها ورصّها، لتعانق نوافير يتسلل منها ماء زلال يشفي الظمآن.

إلى جانب هذه القصور، نجد أيضًا قصر رياس البحر أسفل القصبة وعلى واجهة البحر المتوسط، وهو قصر ذو جمال أخاذ لثقافات وحضارات ولّت، شيّد بأمر من رمضان باشا ليعبر بذلك عن الثقافة العثمانية وتاريخها، وتطلق عليه تسميات عدة على غرار برج طبانة والبرج الجديد والحصن 23 أو بيت الزوبية.

يمثل هذا القصر شاهدًا على تعاقب الحضارات والثقافات الإنسانية وقد صنف سنة 1990 كمعلم تاريخي، ويتربع قصر رياس البحر المكون من ثلاث بنايات متشابهة وهي حصن 17 و18 و13 على مساحة إجمالية قدرها 4000 متر، ويتميز بإطلالة جميلة على واجهة البحر، حاكيًا تاريخ التصدي للمستعمر الفرنسي من خلال المدافع التي ما زالت صامدة وتحكي لأبناء الجزائر نضالها وكفاحها من أجل الحرية.

شيد القصر بحجر المرمر الثمين وبزخرفة عثمانية ليحيي الثقافة العثمانية عبر العصور ويعزز دفاعات المدينة المنخفضة، ولقب سابقًا بقاع السور نظرًا لموقعه في أسفل مدينة الجزائر، وتشكل هذه القصور مجتمعة رياس البحر، إلى جانب ستة مساكن للبحارة متناسقة في تركيبتها العمرانية رغم بساطتها وقربهمساجد وأضرحة

إلى جانب هذه البيوت والقصور، تتميز القصبة بمساجدها التي تحكي قصة حضارة كبيرة حكمت البلاد طيلة 3 قرون، وأبرز هذه المساجد على الإطلاق مسجد كتشاوة، الذي بقي محافظًا عبر مآذنه وصومعته وأعمدته المرمرية وفسيفسائه ونقوشه البديعة، على طابعه العمراني العثماني والإسلامي، رغم ما مر به في أثناء الاحتلال الفرنسي للجزائر.

أما في القصبة السفلى فنجد الجامع الجديد مطلًا على البحر، وقد مزج بين الطراز البيزنطي والعثماني وكان مسجدًا للمذهب الحنفي طوال الفترة العثمانية، وتم بناؤه بتمويل من مؤسسة سبل الخيرات التي تدير الصدقات التي تجمع لفائدة طائفة الأحناف العثمانيين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى