العالم يردد: “المغرب حرك جبلا من مكانه من اجل إنقاذ ابنه ريان”؛ الحدث الابرز الذي جمع كل الاجناس ومن مختلف الديانات وعبر كلالاقطار ، ورصدته مجموعة من المنابر المحلية والدولية ووثقثه مواقع التواصل الإجتماعي، الحدث الذي تضامنت معه كل الفئات المجتمعية منبينها الاطفال عبر العالم بواسطة رسوماتهم و اصواتهم و صورهم و دعائهم.
فالشكر موصول لكل الذين بذلوا ما في وسعهم لكي تعيش الإنسانية فينا. رغم ما عانته فرق الإنقاذ من الجمهور الفضولي على مدىالخمسة ايام من ضغط نفسي عليهم وازعاجهم في عملهم واعاقتهم في تحركاتهم دون احترام الاجراءات الإحترازية لكورونا.
فكان العبث بإسم الصحافة،وكانت النذالة والوقاحة باسم التضامن، وكان النصب بجمع التبرعات،انها لحظات صعبة تتطلب منا جميعا اننكون انسانيين أكثر بعيدين عن البوز والبحث عن جمع الكثير من اللايكات عبر اللايف،فالذي يبحث عن الشهرة على حساب الطفل ريانوحش ادمي عليه ان يراجع نفسه.
فواقعة سقوط الطفل ريان ذو الخمس سنوات في بئر بضواحي مدينة شفشاون شمال المغرب،سطع فيها نجم بعض فيروسات صاحبةالجلالة لقطاء المهنة وتناسلت فيها ميكروفونات الرداءة او ما يسمى بقنوات الصرف الصحي، مما دفع العديد من المهنيين ان يدقوا ناقوس الخطر ، من بينهم المجلس الوطني للصحافة الذي اصدر مساء أمس الجمعة بيانا صحفيا تأسف فيه من بعض الممارسات المشينة، التيصاحبت تغطية محاولات إنقاذ الطفل ريان، مسجلا “العديد من الخروقات المخالفة لميثاق أخلاقيات مهنة الصحافة، والتي تم ارتكابها منطرف بعض الصحف الإلكترونية، في تجاهل تام للمبادئ الإنسانية التي يتضمنها الميثاق المذكور”.
ومن بين نماذج الخروقات التي استعرضها بيان المجلس، من قبيل تصوير الطفل ريان في قاع البئر بوجهه الدامي، في وضعية إنسانيةصعبة، مما يشكل ضررا لمشاعر عائلته، بالإضافة إلى خرق مبدأ الحق في الصورة وكذا تصوير واستجواب أطفال قاصرين وهم في حالةإنسانية غير طبيعية، جراء التأثر بالحادث المتعلق بمصير حياة طفل قاصر، وكذا نشر صور قاصرين عبر أشرطة مصورة بمحيط عمليةالإنقاذ، بغرض الإثارة المجانية، دونما الأخذ بعين الاعتبار لوضعيتهم النفسية أو سنهم.
وسجل البيان أن هذه الأفعال تعد منافية للمحور الثاني من ميثاق أخلاقيات مهنة الصحافة الخاص بالمسؤولية إزاء المجتمع ولاسيما البندالتاسع منه المتعلق بحماية القاصرين.كما تخالف هذه الممارسات، بحسب المجلس الوطني للصحافة، المحور الأول من ميثاق أخلاقياتالمهنة، ولاسيما البند الأول منه، المتعلق بالبحث عن الحقيقة، مشيرا إلى أنه تم التعامل مع المعلومات والمعطيات المتعلقة بعملية الإنقاذ، بشكل غير مهني، من خلال ترويج أخبار غير صحيحة، وطغيان الهاجس التجاري والتسويقي، دون التأكد من صدق المعلومات.
وأضاف البيان ذاته، أن بعض الصحف الإلكترونية قامت باستجواب أسرة الطفل، مصرحة، بشكل فاضح أن هذا التصوير سيرفع عددالمشاهدات، بالإضافة إلى توظيف الوضع النفسي للأسرة، بطرح أسئلة لا علاقة لها بقواعد الصحافة، في عمل تجاري بحت، مستغلةالارتباك والحزن الشديدين، والخوف الذي انتاب أفراد عائلة ريان وهم ينتظرون عملية نجاح إنقاذ ابنهم، وذلك في خرق سافر للمحور الثانيمن ميثاق أخلاقيات مهنة الصحافة الخاص بالمسؤولية إزاء المجتمع.
ونبه المجلس مختلف وسائل الإعلام على أن تغطية الفواجع الإنسانية، تعتبر “محكا رئيسيا لمدى احترام الصحافة لمسؤوليتها الاجتماعيةوحرصها على ألا تحول الفواجع إلى وسيلة للربح والارتزاق”.
لكن يامجلسنا الموقر الاخطاء تتكرر والبلاغات تتكرر حينما لايتم الإشارة إلى أسماء المواقع الإلكترونية التي خرقت اخلاقيات المهنة، لمعاقبتهاوفضحها، وحتى لانسقط فيما يشبه السيرك الاعلامي.
قضية ريان تذكرنا بفيلم “طفلة الجميع:انقاذ جيسيكا ماكلور” من انتاج شبكة اي بي سي عام 1989 والذي يرصد قضية الرضيعةجيسيكا ماكلور والتي اكتسبت اهتماما عالميا، اذ سقطت في بئر بالحديقة الخلفية لمنزل خالتها بولاية تكساس الامريكية في 14 أكتوبر1987 وهي تبلغ من العمر 18 شهر. عمل رجال الإنقاذ انذاك لمدة 56 ساعة لانقاذها من البئر الذي يبلغ عرضه 20 سنتمتر وعمقه 6.7 متر تحت الأرض.
تبقى فاجعة الطفل ريان ملحمة التضامن الانسانية، واختبار لقلوب البشر، اذ تطوع فيها شباب متخصص في الاستغوار لكن ضيق عرضالبئر منعهم من اتمام مهمتهم، فواصلت فرق الإنقاذ الليل بالنهار لاتمام العملية الدقيقة والمعقدة في منطقة ذات تضاريس وعرة وتربة هشةقابلة للانهيار، ولاتزال المحاولات متواصلة في لحظاتها الاخيرة لانقاذ الطفل ريان الذي يئن تحت الأرض منذ يوم الثلاثاء.
فبعد ساعات من الألم والامل المتواصل، يبقى اسم ريان معناه المرتوي بعد عطش، يعطينا الدرس في الحياة وكأن العالمبأسره في حفرة، مرددا انقذونا من هذه الورطة. فالعتمة تجمعنا. لان همومنا واحدة ومستقبلنا واحد.
فبعد كل هذا العناء ألا يحق لنا ان نفرح جميعا بالفرج العاجل، فاللهم اخرج ريان سالما معافى.