إلى صديقتي الكاتبة :
أيُعقل أن اتصبب عرقاً وسط حشود تنفث البخار؟
هبّات ساخنة أو شمس نيسان كما يحلو لكِ أن تسمينها…
أجل تسطع شمس نيسان في دواخلنا مؤذنة بربيعٍ يُحتضر وصيفٍ يطرق الأبواب ..
تُرى كيف سيكون صيف العمر يا صديقتي؟ … و على أي هيئة سيكون تمّوزه؟
أظنك ستحبينه فأنت التي طالما عشقت قيظ الصيف وشمسه الساطعة.
مسرعة دلفت إلى القاعة حيث ينتظرني طلاب المرحلة الأولى..
جففت عرقي، ولحسن الحظ أني لا أضع مساحيق التجميل، وإلّا لكانت مهمة تجفيف عرقي أقرب إلى إشعال النور في غرفة تعمها الفوضى.. فتحت حاسوبي المحمول وشرعت في إلقاء محاضرتي.. بينما شمس نيسان تبث سناها في جوفي بين الفينة والفينة.
انهيتُ محاضرتي… وفي طريقي إلى المكتبة استوقفتني زميلة،
وبعد سلام وتحية و كلام حول جدول المحاضرات قالت:
_تعرفين من سأل عنك؟
_من؟
_زياد… زميلنا الذي كان في قسم اللغة الانكليزية.
لم يكن مجرد اسم من أربع حروف… سقط على مسمعي… إنها حكاية… حكاية عمر بأكمله وكتاب من ألف صفحة وصفحة … طارت وتناثرت وتبعثرت اوراقه في مخيلتي حتى ما عدت ابصر طريقي، ولا أسمع من يكلمني.
… زياد..
إزدرت ريقي باحثة عن أي جواب اقوله لمحدثتي.. التي عاجلتني القول :
_لقد أعطيته رقمك… يريد أن يسلم عليك.
انصرفتُ أخيراً.. متمنيةً الا تكون قد لاحظت إضطرابي و تسارع أنفاسي.
ألغيت فكرة الذهاب للمكتبة وعدت أدراجي إلى المرآب، بنية الهروب فوجودي في حديقة الذكريات بعد أن نَكأ اسمه كل الجراح صار فوق ما يمكنني أن أحتمل، وفي السيارة دسست القرص الذي اهديتنيه في عيدي ال……. والأربعين في مشغل الموسيقى…
فصدحت ام كلثوم تقول :
_كلموني ثاني عنك.. فكروني… فكروني..
أيعقل يا صديقتي أن تتآمري انت والقَدر ومُشغّل الموسيقى وشمس نيسان وزياد عليّ…
المُحبة لكِ دوماً سهاد
كانت صديقتي تخشى أن الحظ لهفتها للحديث عنه، ورغبتها في تصفح دفتر ذكرياتها معه كانت تراني كحارس يقف على باب المغارة.. تلك التي تضم كنوز أجمل أيامها… فلا تدخل الا بعد ان تلقي بكلمة السر…
تكتب لي كل يوم مستهلة خطاباتها بالحديث عن شمس نيسان hot flushes.. وهباتها الساخنة ،
وكأنها تبرر لنفسها.. تواصلها مع حارس المغارة ذاك الذي لا يزال يحرس مرتع ذكرياتها .