أتعلمين ياصديقتي ، لقد توعك قلمي ؛ أصابته قفلة كتابة ، أضحت الكلمات والمعاني تتقافز في عقلي ،ككرات بلورية تناثرت من علبة صفيح صدئة سقطت من يد طفل ، و افكاري ككتلة زئبق تتفتت ما أن احاول الامساك بها . تتلاطم العبارات والاستعارات في مخيلتي كأمواج بحر هادرة تصدم جدران عقلي ، ولا أفلح في القبض عليها مهما حاولت وإن حدث ؛ فإنها تتفلت من بين اصابعي ما أن أشرع في التدوين .
صار البحث في قضية طقوس الكتابة شغلي الشاغل ، وكعادتي أرمم صدوع الكتابة بالقراءة ، فكانت نتائج ليلتي المؤرَقة بالبحث على الشبكة العنكبوتية ، أن للكتاب مذاهب شتى وطقوس عدة في استحضار مارد الدواة وبعث الروح في مداد القلم ، فهناك من يرتدي ثياباً خاصة بالكتابة ومن دونها تهجره الكلمات ، ومنهم من لا يشرع بالتدوين إلا وفنجان القهوة بين أصابعه ، وهناك من يكتري كوخاً من قش في إحدى جزر الكاريبي كخلوة للكتابة ، بينما تقدح الفكرة في عقل أجاثا كريستي أثناء جليها للصحون …
_وانا ما هي طقوسي ؟
وكيف سيعود النبض إلى كلماتي ، أخذ التفكير والبحث مني اياماً طوال ، ثم وجدت بعد عناء ، أن بحثي لم يكن مجدياً ، فمذاهب الإبداع تختلف و إن تشابهت .
إنّ الايمان بقوة الكلمة هو طقس الكتابة الأهم .
تلامسنا الافكار ، فتفلح واحدة منها في الوصول الى المساحة التي لم تصبها الأيام بآفة الصدأ ، كحكاية قديمة ، او موقفٍ لم نحكه من قبل ، أو معنى عميق يسكن خبايا الروح ، فتنبجس الكلمات كالدموع المنهمرة في سَورة بكاء ، وتنطق الاقلام ؛ لتسطر ما اختلج له القلب ، وصدقه العقل ، وتألمت له الروح ، فابدعته الكلمات .
فيأتي النص كآهة ندت عن شفتي جريح دون الحاجة الى تفسير أو معاجم لغة أو شروحات ، هكذا من القلب الى القلب .