لا زلت أذكر تلك اللمعة الأخّاذة التي سكنت عيني نادية حين رنّ هاتفها ، فحملته على عجل وغادرت الغرفة ؛ لتفتح الخط قائلة بحروف متلعثمة :
– الو … مرحبا.
ابتعدت بعدها فغابت كلماتها عن مسمعي لتعود بعد دقائق ، وقد سكنت حُمرة جميلة وجنتيها .
تكرر الأمر عدة مرات ، وأنا أراقب بصمت متيقنة أن القصة كاملة في طريقها إليّ، إنها فقط تُطهى على نار هادئة بانتظار فرصة للسرد المفصّل .. وبعد أسبوع من رنّات الهاتف المريبة.. والدوخة الساكنة في عيني صديقتي الجميلة التي تصغرني بضع سنوات .كانت نادية تجلس على كرسي الإعتراف في مطعم قريب من محل عملنا تقص عليّ الحكاية من الطقطق وحتى السلام ..
_شاب وسيم مهذب من عائلة ثرية … واسمه أحمد معجب بي ، ويرغب في التقدم لخطبتي.
اكتفيت بهز هامتي في إشارة لحثها على المزيد من الحكي ..كانت تحكي وتحكي لدرجة أنها لم تعطني الفرصة لأحرك لساني… باختصار…لقد لحس الولد عقل البنت ..كانت لا ترى فيه اي علّة او عيب .. صفاته كانت كلها مزايا تتدفق من لسانها ، فتُأمن عيناها على كل ما تنطق به الشفاه .
وبعد ايامٍ قليلة … طلبت مني أن أرافقها إلى سوق قريب لابتياع فستان جديد يصلح لمقابلة والدة الشاب التي ستفد لمعاينة البضاعة في مكان عملها يوم غد .
كانت التفاصيل وقصائد المدح تجري كالسيل من لسان العروس المفترضة بحق الولد وأهله طيلة الرحلة إلى السوق .. وأنا أهزّ رأسي كعادتي.
وجاء اليوم الموعود وحضرت السيدة أم أحمد “سارق القلوب” ; لترَ عن قرب كنتها وتمنحها البركة، وصك القبول؛ و لسوء الحظ كانت نادية قد اختارت فستاناً قصيراً واتضح أن السيدة “حمى” امرأة متدينة.. الأمر الذي أربك العروس التي على ما أظن لامت نفسها إذ لم تختر جلباباً أو ثوباً طويلاً ترتديه لهذا اليوم .
رمقت الحمى كنتها المفترضة من الأسفل إلى الأعلى ومن الأعلى إلى الأسفل بعين غير راضية ، وغادرتنا على عجل دون أن تنبس بحرف .
ظلت عين الفتاة معلقة على شاشة الهاتف حتى انتهاء ساعات الدوام بانتظار استلام باس pass من العريس
أو أي إشارة تقول ان الفتاة قد نالت رضا الوالدة باشا
يُتبع …..