أدبيات وقصص

نادية – الحلقة الرابعة

قصة قصيرة لـ د. رجاء الجبوري

بعد عام من ولادة التوأمان إتُّهِم أحمد بتورطه في قضية   فساد وإختلاس للمال العام   … أُعلن ذلك على وسائل التواصل .. التي حرّمها أحمد على نادية  … فاطاعت كعادتها
كان خارج البلاد  يومَ صدر بحقه امر إلقاء القبض . لم يعد أحمد من سفره  ذاك  … لتظل نادية وبناتها بانتظار  عودته.
مضت السنين  ثقيلة على من يجيدون حسابها … عِجافٌ على صديقتي …  سلبتها جمالها وابتسامتها العذبة  … لتذرها  أطلالٍ  ، و ذكريات إمرأة كانت يوماً جميلة .
صودرت أموال  زوجها المنقولة وغير المنقولة  .. فحملت بناتها  وعادت بهما إلى بيت أهلها الذي خلا من سكانه بعد رحيل أمها وأبيها  .  لم تلاقِ  صعوبة  تُذكر في نقل ملكية البيت إليها ؛ فقد كانت الوريثة الوحيدة ..  أصرت على استبقاء  والدة أحمد للسكن معها :
_ كانت معي يوم سافر  أحمد ، وسيجدها معي يوم يعود .
هكذا كانت ترد على من  يحثها على الانفصال عن الحماة المستبدة.
الغريب أن نادية لم تحظَ  ولو بهاتف واحد من أحمد طيلة سنوات غيابه .. كان حين يتصل … يخابر أمه.. والحجة جاهزة.. دواعٍ أمنية….
مرت ست سنوات ولم تسمع نادية صوته، وكل ما معلوماتها عنه مستقاة من الوالدة باشا التي تقطِّر الكلمات والأخبار بالقطّارة  ؛ فيوماً تقول انه في دُبي، وآخر تقول انه في اسطنبول….
_ المهم أنه بخير .
هكذا كانت صديقتي تسلي نفسها حين يحاول هاجسٌ بداخلها تجريم أحمد وأمه.
و ما برحت تعلق النذور  وتوقد الشموع لعودته ، وترسم خططاً وخيالات  لساعة اللقاء ..
 أما انا  فقد استقلت من عملي .. واحترفت الكتابة  .. وصار لي قراء  في كل مكان،  وصرت ناشطة على منصات التواصل يتابعني أناسٌ كثر في كل أنحاء العالم  … عرب في أوروبا وعرب في اميركا الشمالية وعرب في مدن عربية  … لكنني لم اصل العالمية بعد كما ترون.
وذات ليلة في أواخر العام ٢٠٢٠، وردني طلب متابعة من حساب انيستغرام  .. “مارينا بو سلامة”  .. نقرت مباشرة على الصورة في محاولة لمعرفة المقابل ، سيدة حنطية بعينين واسعتين  وشعر أسود  طويلٍ منسدل  .. تظهر في الصورة بكتف عارٍ وآخر  مستتر ، لم أستطع أن اتكهن بعمرها .. فتسنين امرأة صار مهمة شبة مستحيلة في ظل ثورة الفِلر التي نعيشها  .. يزنر جيدها خطان افقيان  … انها اربعينية في الغالب … هكذا خمنت  .
لا أدري ماالذي استوقفني عند صورة هذه السيدة ؟  ربما الصبي الأشقر الجميل الذي يقف إلى جانبها  … لا أدري ، هل لي سبق ورأيته ؟!
سألت صديقتي التي تتابع حسابها..
فقالت انها عربية من شمال أفريقيا تحمل جنسية كندية  متزوجة من عراقي ولها منه صبي  ..وأنها شغوفة بالادب ، وتستهويها نصوصي وكتاباتي ..
_ أنعمَ الله   ..
 قلت في نفسي و وافقت من فوري على طلب المتابعة ورددته إليها..  لم يطل انتظاري سوى ساعات حين جاءني إشعار بقبولها متابعتي لحسابها.
دخلت  .. فوجدت الكثير من الصور  معظمها لها ، إذ يبدو أنها ممن يقيّمن أنفسهن.. وصور للصبي الذي حيرني  ..
_اين سبق لي أن رايتك؟
كان اسمه داني  … وهو في الحادية عشر من عمره  .. صبي اشقر نحيل .. له عينان أجهل لونهما ؛ لكنهما لا تشبهان  بقية العيون…
 المزيد من الصور ثم فجأة لطمتني صورة على وجهي …
انه هو …
لكنه على  الإصدار الكندي  طبعة تورينتو ..
لن أتوه عنك مهما زاد سمك معطفك  ومهما كبرت  قلنسوتك ..
لحظة .. لحظة
ما النص المرفق مع الصورة؟
كل عام وانت حبيبي  !!!
بعد بحث مستفيض  تم بمساعدة بعض من قرائي من  أعضاء الجالية هناك  ..
عرفت انه أحمد… لا غيره أما الصبي؛   فهو  ابنه  …
وحسب ما تقوله صور عيد ميلاد الصبي التي كانت أمه قد نشرتها مسبقاً .. فهو يكبر تارة بعامين !!!!
ربما كان  داني  يقول :
_ بابا جا .. بابا جا..
يوم وقف ابوه على الستيج في قاعة العرس وهو يغني  نادية عن ليلة حبٍ حلوة  تساوي  ألف ليلة وليلة  …
المشكلة أن صديقتي لا تملك اي وسيلة تواصل عدا  شريحة الهاتف  …
_ ما لم أفعله في حضوره لن أفعله في غيابه .
هذه كانت حجتها كلما قلت لها انها الوحيدة على سطح الارض التي لم تلج العالم الافتراضي بعد .
المهم.. خزنت الصور والروابط… وتناولت حبة منوّم لأنعم بنوم  هانئ..
 والصباح رباح …
يُتبع …

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى