
في عالم يزدحم بالتخصصات والتحديات، تبرز شخصيات استطاعت أن تُزاوج بين العلم والإبداع، فتخلق لنفسها بصمة متميزة في أكثر من ميدان. ضيفتنا اليوم هي واحدة من هذه الشخصيات؛ فهي مهندسة مغربية تتقن لغة الأرقام والمنطق، وفي الوقت ذاته كاتبة تمتلك حسًّا أدبيًا مرهفًا، تنسج من الكلمات عوالم تنبض بالمشاعر والتجارب.
مجلة نورا نرحب بالكاتبة والمهندسة هاجر أوحسين، لنتعرف على رحلتها بين الهندسة والأدب، وعلى تأثير الغربة، والتجربة النسائية، وطموحاتها القادمة في عالم الإبداع والمعرفة، وقالت عن بدايتها لـ نورا :
نعم، كانت البدايات عفوية وتلقائية، مفراً في بعض الأحيان، وتمرداً في أحيانٍ أخرى… كانت الكتابة طريقتي لأخلق عالماً يُشبهني، عالماً أهرب إليه حين يضيق الواقع. ومع مرور الوقت، بدأت ألاحظ أن كلماتي لا تُعبّر عني فقط، بل تلامس قلوب الآخرين، تُشبههم، وتُشبه ما لم يقولوه بعد، وتابعت : على الورق، يصبح للإنسان صوتٌ بسهولة، ولهذا لطالما فضّلت التعبير بالقلم على الحديث. فالصمت عندي لا يعني العجز، بل هو انتظار للحظة يُفصح فيها الحبر عمّا يعجز عنه اللسان، وأضافت هاجر أما النشر، فكان حلماً قديماً، حلم طفولةٍ ظننتُ أنه سيبقى مؤجلاً، لكنه تحقق بطريقة غير متوقعة. أول كتاب لي كان عبارة عن مجموعة قصص قصيرة جداً، لم تُكتب في البداية بهدف النشر الورقي، بل وُلدت من لحظات صدق دفين، جمعتها بدافع شخصي بحت. وكنت أرى النشر آنذاك خطوة مبكرة، لكنني اليوم أؤمن أن كل كاتب أو مبدع، مهما أنكر، قد يرغب في أن ترى أعماله النور، أن تتجاوز حدود ذاته، أن تتحول إلى كيان مستقل كما لو كانت ابناً يتمنى أن يراه في أجمل حُلّة، حراً وحيًّا بين أيدي القرّاء.
** وحول احساسها كونها مهندسة هل احست بأي رابط بين الكتابة والهندسة قالت :
بصراحة، لم أشعر بوجود رابط قوي بين الكتابة والهندسة. بالنسبة لي، الأدب هو فسحتي الحرة، عالمي الذي لا يحكمه صواب أو خطأ، أبدع فيه كما أشاء، دون خوف من كسر قاعدة أو الانزلاق عن نظام.
أما الهندسة، فهي عالم آخر تمامًا… عالم يتطلب دقة عالية وتنظيمًا صارمًا، حيث لا مكان للعشوائية أو الارتجال، وقد تكون هناك قواسم مشتركة بين المجالين من حيث التفكير المنطقي أو ترتيب الأفكار، لكنني شخصيًا أشعر أن الأدب هو شكل من أشكال التحرر، فسحة أتنفس فيها، وأمنح خيالي مساحة أوسع ليُحلّق بحرّية بعيدًا عن كل قيد.
** ولما سألناها هل تكتب القصص القصيرة فقط ام هناك أنواع أخرى تتميز فيها أجابت:
بدأتُ في أولى سنوات كتابتي بكتابة الشعر الحر وأدب الطفل، عندما كنت صغيرة، ثم انتقلت تدريجيًا إلى القصة القصيرة جدًا، ثم القصيرة، والمقالات، والخواطر.لا أحب أن أسجن نفسي داخل نوع أدبي محدد، ولا أفضل أن أفرض قالبًا معينًا على أفكاري؛ بل أتركها تأتي كما تشاء، فأحيانًا، هي من تختار الشكل الذي يناسبها، وتفرض القالب الذي تحتاج أن تُصاغ فيه.
** سألنا هاجر هل هناك كتاب أو مؤلفين معجبة بكتاباتهم قالت:
صراحة، أغلب قراءاتي واختياراتي للكتب كانت مبنية على العنوان وملخص الكتاب. وحالما يُعجبني النص، أبدأ في البحث عن كاتبه لأتعرف عليه من خلال أعمال أخرى. لم يكن لدي كاتب مفضل في البداية، بل كانت لدي ميولات نحو أساليب ومواضيع وأنواع معيّنة من الكتب، قرأت الرواية بشغف كبير، رغم نهايتها الحزينة. لكنها كانت حزينة بطريقة جميلة، لا أعرف كيف أصفها. هذه التجربة دفعتني للبحث عن أعمال الكاتبة والشاعرة المغربية الرائعة فاتحة مرشد، وقرأت تقريبًا كل ما كتبته. وهذا أمر نادر ما يحدث في قراءاتي.
** وحول كتابها ( أضغاث أحلام ) يجد حضورا قويا للمرأة، فهل تحتاج الرواية دائما لحضورها ، وماذا عن دور الرجل فيها أجابت :
في كتاب أضغاث أحلام نجد مواقف صغيرة تختزل حيوات كاملة، فكل موقف أو مشكلة يمكن أن يشكّل عقدة نفسية لصاحبه أو مشكلة تعرقل حياته أو حاجزًا يسد طريقه. فلا يبقى لهؤلاء الأشخاص سوى الحلم كمهرب، حيث يصبح عالم الأحلام هو المكان الوحيد الذي يمكنهم فيه الهروب أو ربما مواجهة ما يعانون منه. إذا كان وجود المرأة قويًا في الكتاب، فذلك يعود لسببين: أولاً، لأن كل قصة تحمل جزءًا من السيرة الذاتية بشكل أو بآخر، وثانيًا لأن المواضيع التي تم تناولها كانت أكثر حضورًا في محيطي بين النساء، فكان انتباهي لها أكبر. وهذا لا يعني غيابها لدى الرجال، بل ربما كانت أكثر بروزًا في البيئة التي عايشتها.
** ولدى سؤال نورا هل من الممكن أن تخوض الكاتبة هاجر تجربة الكتابة الروائية قريبا أجابت :
نعم، بالتأكيد، لطالما استهوتني الرواية وتفاصيل السرد فيها، لكنني لم أجرب الكتابة بها بعد. ومع ذلك، كما قلت، أحيانًا تفرض عليك الفكرة كتابة مطولة. أنا أكتب حاليًا في رواية وأكتشف نفسي من خلالها، لأن الفكرة نفسها كنت قد كتبت عنها من قبل في قصة قصيرة، لكنها لم تكن كافية بالنسبة لي ولم تشفِ غليلي.
** وعن رأيها في موجة مواقع التواصل الاجتماعي، وهل تساهم في متابعة القارئ للإنتاج الأدبي وماذا عن وظيفة الناقد قالت :
رأيي في هذا الموضوع متباين إلى حد ما، لأنني من جهة أحب تلك الفائدة التي توفرها مواقع التواصل الاجتماعي كمنصات مباشرة وسهلة الوصول للقارئ. فبفضل هذه المواقع، يمكن للكاتب أن يكتب وينشر دون الحاجة إلى انتظار موافقة دور نشر أو صفحات معروفة، كما أن الكاتب يُمكنه أن يتفاعل مباشرة مع جمهوره. هذا يتيح له فرصًا أكبر للتواصل مع قرائه، وفي البداية قد يعاني الكاتب من صعوبة الوصول إلى الجمهور، ولكن مع الوقت والجهد يمكنه تحقيق تفاعل حقيقي، ومن جهة أخرى، لا أستطيع أن أنكر أنني أحب الكتب والنشر الورقي التقليدي، لأنه يحمل عبق التاريخ ويخلق تجربة قراءة مختلفة تمامًا. فالنشر الورقي يظل له مكانة خاصة في قلبي، والكتاب الورقي يمثل بالنسبة لي أكثر من مجرد محتوى، بل هو كائن ملموس يحمل بين دفتيه جهد الكاتب ورؤيته .
** وعن تجربتها بنصوص كواليا حدثتنا قائلة:
كواليا هي مجموعة من النصوص التي كتبتها في عمود أسبوعي بعنوان «حديث آخر» على جريدة ورقية مغربية. كانت تجربة فريدة بالنسبة لي لأنها منحتني الفرصة على مدار عام تقريبًا أن أكتب نصًا كل أسبوع، مما خلق نوعًا من الحوار الباطني مع نفسي. كان ذلك تحديًا جميلًا ومثيرًا، حيث اخترت أن أكتب نصوصًا بأسلوب شاعري، وهو الأسلوب الذي أفضله، مع تناول مواضيع متنوعة. حاولت دائمًا أن أقدم رأيي الخاص فيها من زاوية نظري، مثل الجريمة، العمل، الشعر، وغيرها من المواضيع.
** وعن رأيها بثقافة المرأة العربية عموما و المغربية على وجه التحديد أجابت:
رأيي يتسم بشيء من التعقيد. المرأة العربية، والمغربية على وجه الخصوص، ما زالت تواجه العديد من التحديات المرتبطة بالقيود المجتمعية والثقافية التي تفرض عليها في العديد من المناطق. الحديث عن التطورات الفكرية للمرأة العربية صعب، في حين أن النساء ما زلن يخضن معارك من أجل الحصول على الفرص المتساوية، والقدرة على الإبداع والتعبير بحرية ، وأعتقد أن المرأة العربية والمغربية تمتلك كفاءات ضخمة، ولكن هذه التحولات تحتاج إلى مزيد من الزمن والوعي الجماعي لضمان أن تحظى المرأة بالمكانة التي تستحقها، بعيدًا عن الهيمنة الثقافية السائدة.