رسخت المبادرات التي تبنتها دولة الإمارات خلال السنوات الماضية حضورها وسمعتها العالمية ضمن دول العالم المتقدم في استكشاف الفضاء الخارجي، وخاصةً مع التطوير المستمر في الاستراتيجيات والأهداف وطرح خطط طموحة على غرار مهمة الدولة لاستكشاف حزام الزهرة والكويكبات 2028، ولاستكشاف القمر 2024، ومشروع العلوم المدنية في كوكب المريخ.
وينطوي هذا الاهتمام بمجال الفضاء على تحقيق مكاسب اقتصادية كبيرة للدولة، لاسيما وأن السنوات الماضية شهدت تداخلاً متزايداً بين الفضاء والعديد من القطاعات والمجالات الحيوية في الاقتصاد، مثل: قطاع الاتصالات والأرصاد الجوية والاستشعار عن بعد، فضلاً عن الاستخدامات الدفاعية، وغيرها وهي متغيرات تُضاعف من أهمية القطاع الفضائي الاقتصادية.
ويعود اهتمام دولة الإمارات بعلم الفلك وعلوم الفضاء إلى سبعينيات القرن الماضي؛ عندما التقى مؤسس الدولة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه» فريق «ناسا» المسؤول عن هبوط مهمة «أبولو» على سطح القمر عام 1969، وأثار هذا اللقاء اهتماماً وطنياً بالفضاء، تعاظمت ملامحه خلال السنوات الماضية مع الإعلان عن العديد من البرامج والمبادرات المتعلقة باستكشاف الفضاء الخارجي.
وأكدت دراسة أعدها مركز « إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية» ومقره أبوظبي أن سياسات دولة الإمارات في قطاع الفضاء الخارجي ترتبط بـ 6 دوافع رئيسية أسهمت في نضوج مبادرات وبرامج الدولة في هذا القطاع وهي:
أولاً : تطوير قطاع الاتصالات، حيث كانت بداية اهتمام الإمارات بمجال الفضاء متصلة، بشكل أو بآخر، بطموحات تطوير قطاع الاتصالات، فقد تم إنشاء شركتي «الثريا للاتصالات» و «الياه سات» للاتصالات الفضائية، لتشغيل وتوفير خدمات الاتصالات عبر الأقمار الصناعية لربط المجتمعات على مستوى العالم، وتغطي اليوم أكثر من 80% من سكان العالم؛ إذ توفر لهم خدمات اتصالات رئيسية تشمل الإنترنت والبث الفضائي وربط الشبكات وحلول الاتصالات.
ثانياً: استغلال الموارد المتاحة في الفضاء الخارجي : فالكثير من الدراسات تشير إلى احتمالية وجود موارد طبيعية قابلة للاستغلال في الأجرام السماوية والكواكب الأخرى مستقبلاً على العديد من المستويات العلمية والاقتصادية كذلك.
ثالثاً: مضاعفة مساهمة قطاع الفضاء في الاقتصاد الإماراتي: تعكس سياسات الفضاء الإماراتية مساعي أبوظبي إلى دعم اقتصادها، وتعزيز مساهمة قطاع الفضاء في الاقتصاد ؛ حيث بات القطاع واحداً من القطاعات الواعدة اقتصادياً بالنسبة إلى العديد من الدول؛ حيث تشير التقديرات إلى أن اقتصاد الفضاء العالمي بلغ حجمه العام 2019 نحو 366 مليار دولار، كما تتوقع مؤسسة Morgan Stanley أن تصل إيرادات صناعة الفضاء العالمية إلى أكثر من تريليون دولار العام 2040.
رابعاً: دعم المكانة العالمية لدولة الإمارات: يرتبط اهتمام الدولة بالفضاء الخارجي بمساعي دعم مكانتها العالمية بوصفها إحدى الدول الفاعلة في هذا المجال، خاصةً وأن هذا المجال تحول إلى أداة لتعزيز سمعة الدول وصورتها على المستوى العالمي.
خامساً: تعزيز قدرات الكوادر البشرية الإماراتية: حددت وكالة الإمارات للفضاء 6 مبادرات رئيسية لتأهيل العنصر البشري في الدولة بهدف تعزيز قطاع الفضاء بالكوادر الوطنية المؤهلة والقادرة على قيادة المشاريع والمهام الفضائية المستقبلية.
وفي هذا السياق، استُحدث برنامج الإمارات لرواد الفضاء الذي يُعَد من أكثر البرامج إلهاماً ، ونتج عن البرنامج أول فريق إماراتي مكون من 4 رواد فضاء هم: هزاع المنصوري وسلطان النيادي و محمد الملا ونورا المطروشي التي تعد أول رائدة فضاء عربية.
سادساً: الوصول إلى الاكتفاء الذاتي الفضائي: تتحرك دولة الإمارات في مجال الفضاء من رؤية مركزية مفادها زيادة القدرات الذاتية والوصول إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي الفضائي؛ فيما ستخطو الدولة خطوات جادَّة نحو بناء منصة إطلاق الصواريخ التي يطلق عليها «موانئ فضائية»؛ مما سيعود بالنفع على الدولة اجتماعياً واقتصادياً وخلق وظائف جديدة.
وأعلنت دولة الإمارات، في 25 يوليو / تموز 2022، عن اختيار رجل الفضاء الإماراتي سلطان النيادي أول رائد فضاء عربي سيقضي 6 أشهر في محطة الفضاء الدولية لأداء مهمة (SpaceX Crew-6) المقرر إطلاقها في النصف الأول من العام 2023 ، الأمر الذي يعزز مكانة الدولة ضمن الدول التي شاركت في المهمات الطويلة الأمد في الفضاء لتصبح في المرتبة الـ 11 عالمياً في هذا الإطار.