دارت عجلة الايام مسرعة وابتسامة نادية لا تفارق ثغرها والجملة التي لا تبدأ بأحمد تنتهي به ، فصار احمد مثل روما .. .. فإذا تكلمنا عن الألوان .. قفز احمد من لسان نادية إلى طاولة الحديث فإذا بها تقول:
_أحمد يحب اللون الأحمر .
وإذا دار الحديث عن السفر قالت :
_أحمد يحب ايطاليا .
وإذا تحدثنا عن الفصول عرفنا أن أحمد يعشق أجواء الشتاء
يبدو أن كل الطرق تؤدي إلى أحمد .
لبست نادية الخاتم وخلال شهر كانت تقف أمام قاضي الأحوال الشخصية تردد:
_زوجتك نفسي على مذهب …… وعلى الصداق ….
فيجيب أحمد بابتسامة تصل حتى أذنيه:
_قبلت زواجك .
كانت حصتنا من الفرحة بضع قطع من الشوكولاته الفاخرة .. وحفلة نسوية أمضينا فيها أجمل الأوقات.
كنت أتمنى ان يكذّب أحمد حدسي الذي كان يهمس لي
_لا يستحقها …
لعنت سوء ظني وهواجسي مئات المرات … ولكن ….. ما علينا
بعد الخطوبة بأيام صادف رأس السنة كان العام ٢٠١٠ يلملم خلجاته ليغادر مفسحاً الطريق أمام العام ٢٠١١.
_أحمد يستحرم رأس السنة .
هكذا ردت نادية على دعوتي لها لقضاء ليلة رأس السنة عندي في البيت كما اعتدنا كل عام .
_اي رأس السنة ؟ أ نسيتي أنه عيد مولدي ؟
_اذا كان هكذا سأحضر .
اجتمعنا عند الموقد تزين سهرتنا شجرة علقنا عليها أمانينا لعام مقبل، وخيباتنا لعام مضى .. وقبل انتصاف الليل اقترحت إحدى الصديقات أن تحكي كل منا تجربتها خلال عام مضى في كلمات
فقالت الأولى :
_كان عام النضج ففيه تعلمت الكثير.
وقالت الثانية :
_كان عام الحزن .. ففيه فقدت أمي .
وقلت أنا :
_ كان ككل عام ..
و قالت نادية بينما تحملق في الخاتم المستريح في بنصرها الأيمن :
_ كان عامي سعدي .
وخز قلبي هاجس مؤلم ان نادية يومًا ما ستلعن يوم سعدها هذا … لكنني تداركت قلقي بعناق منحتها إياه ربما لأخفي خوفي عليها من سعادتها تلك .
وفي الربيع التالي تزوجت نادية من أحمد.. كان عرساً اسطورياً ..
وقف أحمد بنفسه على منصة الحفل وحمل الميكروفون وغنى اغنية الف ليلة وليلة واهداها لعروسه .
لم تتمكن الوالدة باشا من إخفاء امتعاضها فقد كانت تستغفر بصوت مسموع طيلة فترة تواجد ولدها على الستيج …
حملت عروستنا بعد اسبوعين من الزفاف فامضت النصف الثاني من شهر العسل في الحمام … تعاني من فرط اقياء الحمل المبكر.
لم تلتفت نادية إلى تعليقات والدة أحمد ولا إلى محاولاتها الدؤوبة لاختراق هالة الفرحة التي تحيط بها حياتها … كانت مشغولة بالكامل بسعادتها ، لا تلتفت لما يُقال ، ولا ما يُشار اليه … تداري أحمد كما يفعل من أوقد شمعة فيخشى أن تهب الريح فتطفأها .
ورثت المولودة الأولى ملامح ابيها ..
_نسخة من أحمد…
قلت بينما لا تزال نادية ممدة على سرير المشفى والصغيرة إلى جانبها .
فأجابت الجدة؛
_لا.. فمها كبير على أمها . أحمد كان يشبه القمر في طفولته …ثم سحبت زاوية فمها لتبتعد باتجاه أذنها في اشارة لعدم الرضا .
لم تلتفت نادية لقولها بل ضمت الصغيرة بحنان … قائلة
_ حبيبة قلبي شبيهة البابا.
كثرت سفرات أحمد خارج البلاد بعد ولادة البنت وكعادتها لم تتذمر صديقتي، بل ظلت تمارس طقوس سعادتها.
وبعد أشهر قليلة .. علمتُ أنها تحمل توأماً … لم يلازمها أحمد في حملها الثاني فقد كان بالكاد يمضي شهراً في الوطن ليغادره تارة إلى أوروبا وإلى دولة عربية تارة أخرى .. والسبب ثابت دوماً :
_شغل حبيبتي … شغل
مرت أشهر الحمل وحين بدأت “تارة” تدب على الأرض بخطواتها الأولى كان بطن امها متكورا وأختاها تركلان …
وبعد أشهر قليلة كانت نادية تحتضن ست أكف صغيرة
تارة والتوأمان يارا و مينا ….
لم يتغير شيء بل ازداد غياب أحمد عن البيت و عن البلاد ..
ارتسمت بعدها على محيّا رفيقتي مسحة حزن او خيبة لا اعرف بالضبط …
_ ماذا بك ؟ اسألها، فتجيب:
_ لاشيء …
وكعادتي لا أضغط عليها بل انتظر أن تتدلى الثمار .
كانت الصغيرات يكبرن في غياب الأب أو بالأحرى في حضوره المنقوص …
واخيرا نطقت صديقتي:
_الا ترين أن أحمد غير ملهوف على البنات … لماذا باعتقادك ؟ أ لأنهن فتيات ؟ هل كان سيفعل الشيء ذاته لو كنّ صبية ذكور ؟ لا أظن ذلك .. انه رجل متحضر .
شعرت انها لا تنتظر مني إجابة فقد كانت تسأل ثم تجيب بنفسها . منحتها اصغائي وبضع ايماءات تستحثها على المضي في البوح … لكنها اكملت عباراتها ثم أدارت محرك السيارة لتقلني إلى بيتي بعد نهار امضيته معها ومع بناتها في البيت بغياب الوالدة باشا.
يُتبع …