تُمارس الصقارة في مختلف أنحاء العالم منذ آلاف السنين، وقد بقيت أساليبها ووسائلها على حالها حتى وقت قريب نسبياً، لكنّ تطوّر التكنولوجيا امتدّ ليشمل تعزيز ممارسة موروث الأجداد الأصيل، حيث سهّلت بعض التطورات التي طرأت على الصقارة الكثير من الأمور على الصقارين، والأهم من ذلك على الطيور التي يستخدمونها إذ قللت من احتمال تعرّضها للخطر أو فقدانها، لكنّ كل ذلك لا يُلغي بالطبع الدور الرئيس للصقار الذي ينبغي أن يواصل حرصه على تدريب طائره وألا يُهمل مسألة ضبط وزنه، بينما برزت الحاجة إلى مقاييس سرعة أدق وتقنيات أكثر تطوراً للتنافس وحصد المراكز الأولى في مُسابقات الصيد بالصقور التي شهدت تطوراً ملحوظاً هي الأخرى، وزاد عددها.
ويُضفي قطاع الصقارة وصناعة وابتكار مُستلزماتها، والأنشطة والعروض ذات الصلة، أهمية بالغة على معرض أبوظبي الدولي للصيد والفروسية، باعتباره إحدى أبرز القطاعات والفعاليات التي ينتظرها عُشّاق الحدث في كل عام.
وتُقام الدورة الجديدة من المعرض بتنظيم من نادي صقاري الإمارات، وبرعاية رسمية من هيئة البيئة- أبوظبي، الصندوق الدولي للحفاظ على الحبارى، مركز أبوظبي الوطني للمعارض حيث يُقام الحدث، وراعي قطاع «أسلحة الصيد» شركة كاراكال الدولية، الراعي الفضي شركة «كيو» للعقارات، وشركاء تعزيز تجربة الزوار كل من أكاديمية فاطمة بنت مبارك للرياضة النسائية، شركة بولاريس للمُعدّات الرياضية المُتخصّصة، ومجموعة العربة الفاخرة، وراعي الفعاليات كل من شركة «سمارت ديزاين» وشركة «الخيمة الملكية»، وشريك صناعة السيارات «إيه أر بي الإمارات»، وبدعم من غرفة تجارة وصناعة أبوظبي ونادي تراث الإمارات.
ويُعزّز الحدث الأضخم من نوعه في الشرق الأوسط وأفريقيا، من ريادة دولة الإمارات على مستوى العالم في تطوير رياضة الصيد بالصقور والحفاظ على استمراريتها وتوارثها جيلاً بعد جيل كتراث إنساني، وتوسيع رقعة انتشارها، مع حرصها المُتنامي على تعزيز الصيد المُستدام وصون الأنواع.
واعتاد جمهور المعرض من مختلف الجنسيات والفئات العمرية، على حضور فعالياته بشكل سنوي، حيث تستقطبهم أحدث المنتجات والمعدات التي تواكب تطورات عالم الصيد بالصقور وكل ما هو جديد فيه، حيث يمتزج التراث بنكهة التقنية التي تمّ تسخيرها في خدمة الصقّارين.
ويحرص عدد كبير من مُربّي الصقور والمُختصين بتكاثرها وتدريبها ورعايتها، إضافة لمُصنّعي ومُبتكري أدوات الصقارة ومُستلزماتها، على التواجد في فعاليات هذا الحدث الذي أصبح وجهة فريدة لصقاري العالم ومُلتقى للتشاور وتبادل الخبرات حول عالم الصقارة.
كما اعتاد جمهور المعرض، أفراداً وعائلات، على حضور فعالياته بشكل سنوي، حيث تستقطبه عروض الصقارة الفلكلورية والمنصّات المخصصة للصقور، والمسابقات التراثية الشيقة، وفي مُقدّمتها مسابقة أجمل صقور العالم، ومزاد الصقور المُكاثرة في الأسر، ومسابقة أفضل اختراع في مجال الصقارة، فضلاً عن إطلاق مسابقة أجمل برقع للصقور هذا العام.
وتتواجد في المعرض شركات إقليمية ودولية تُقدّم أحدث التقنيات المتعلقة بالصقارة ومُستلزماتها القديمة والحديثة، إضافة للشركات المُهتمة بصحة الطيور وعلاجها وأدويتها، فضلاً عن جمعيات ونوادي مختصة بتربية الصقور وتدريبها والصيد بها، تنتمي للاتحاد العالمي للصقارة والمحافظة على الطيور الجارحة الذي يضم في عضويته نحو 100 ألف صقار يُمثّلون 110 نادياً ومؤسسة من 90 دولة.
ويتعرّف زوار المعرض سنوياً على برنامج إطلاق الصقور في البرية، والذي يُعتبر من التقاليد العريقة التي أسسها وأرساها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، في مجال حماية الكائنات، وما زال مستمراً بنجاح منذ العام 1995، حيث تمكّن البرنامج من إطلاق ما يزيد عن 2150 صقراً من نوعي الحر والشاهين، مما أتاح لها التكاثر في مواطنها الأصلية وزيادة أعدادها.
وتُعتبر أجهزة التتبع عن بُعد، التي بات يستخدمها كل صقار، من أهم التطورات الحديثة في الصقارة، وتُساهم كثيراً في استعادة الطيور إذا ما فقدت، حيث تدل الصقار على مكان طائره عندما يقوم برحلة مقناص لصيد الطرائد بوساطة الصقور فوق مساحات شاسعة، حيث يمكن أن يختفي الصقر عن ناظري صاحبه في غضون ثوانٍ.
كما ويُعتبر تدريب الصقور بوساطة الطائرات الورقية، والطائرات اللاسلكية، ومُجسّمات طائر الحبارى – طريدة الصقارين المُفضّلة – على غرار «التلواح»، وسيلة ذات كفاءة عالية للحصول على طيور مدربة على التحليق إلى مستويات شاهقة.
ومن إحدى أهم التطورات المُفيدة في عالم الصقارة، الأربطة الحديثة، التي أنقذت رغم بساطتها عدداً لا يُحصى من الصقور من براثن الموت البطيء، حيث حلّت أربطة التحليق الخالية من الشقوق مكان الأربطة التقليدية، وهو ما قلّل من خطر تعلق الطائر بأي شيء قد يُعيقه أثناء تحليقه.
أيضاً يُعتبر التارتان (العشب الصناعي) نعمة أخرى للصقارين، فقد أنقذت الأوكار الحديثة المغطاة بالتارتان أقدام الكثير من الصقور، وفي الحقيقة خفضت الأوكار التي يمكن تنظيفها وتطهيرها من وقوع الإصابات في أقدام الصقور بنسبة كبيرة.
لكنّ البرقع، على سبيل المثال، ما زال يُعتبر أداة حيوية في تدريب الصقور على الصيد مّنذ القدم ولغاية اليوم، وهو غطاء يضعه الصقار على رأس الصقر بأكمله (يمنعه به عن الرؤية) وبه فتحة صغيرة يخرج منها منقاره، ويُصنع عادة من الجلد اللين وقد يتخذ أشكالاً وألواناً مختلفة.
ويُعتبر البرقع ضرورياً للصقر كي لا يثب عن يد صقاره لغير حاجة، وكذلك لئلا ينطلق على الطريدة قبل الأوان فتخور قواه وتضعف عزيمته، كما أنّ البرقع يُساعد الصقر على الراحة بحجبه الأشعة والضوء عن عينيه.
وأعلن معرض أبوظبي الدولي للصيد والفروسية، في دورته لهذا العام، عن إطلاق مُسابقة فريدة من نوعها للمرّة الأولى في تاريخه، تهدف لاختيار أجمل وأفضل برقع للصقور، بما يُساهم في دعم وتشجيع الحرفيين والمُبدعين والشركات المُتخصّصة في صناعة أدوات ومُعدّات الصقارة، وذلك لما يُمثّله برقع الصقر من رمزية تاريخية وقيمة تراثية أصيلة.
كما وأعلن المعرض كذلك عن نسخة جديدة من مُسابقة «أفضل اختراع في مجال الصقارة والصيد»، ومُسابقة «أفضل سيارة مُخصّصة لرحلات الصيد». وتهدف المُسابقتان لتشجيع الأفراد ومالكي شركات الصقارة وتصنيع مُعدّات الصيد، على تقديم أفكار متميزة وابتكار اختراعات جديدة تُساهم في خدمة عالم الصيد والصقارة وتدريب الصقور، ورحلات الصيد والسفاري وأنشطة الهواء الطلق.
كما تحرص المُسابقتان على تحفيز المُخترعين لتقديم ابتكاراتهم ليستفيد منها الصقارون وهواة الصيد في رحلاتهم، وتبادل المعرفة والخبرات وتعزيز العلاقات بين الشركات المحلية والدولية، بما يُساهم في تعزيز جهود صون رياضة الصيد بالصقور، وتوريث رياضات الآباء والأجداد، وتقديم أفضل الابتكارات في عالم الصيد.