إبداعات الكتاب

حرفيًا

بقلم: د. رﺟﺎء ﺻﺎﻟﺢ اﻟﺠﺒﻮري

اندفعت إحداهن بسرعة البرق إلى غرفة الطبيبة الخافرة، والتي كانت شابة في مقتبل مسيرتها المهنية، قالت الزائرة الطارئة مخاطبة الطبيبة بأنفاس متقطعة :
_ حرفياً جدو مات
تلعثمت الطبيبة الغرة وشحب لونها ونظرت إلى الممرضة وقالت:
_إنه يومي الأول هنا ، حرفيًا لا أعرف ما عليّ فعله

وفي متجر البقالة قال الرجل للكاشير وهو يضع أمامه بضعة أكياس من الشعرية سريعة التحضير (اندومي)
_حرفيًا الأولاد أدمنوها

وفي الشارع قال شاب يضع هاتفه الذكي على أذنه :
_حرفيًا ما بعد اتحمل .

وحين خسر منتخبنا لكرة القدم مباراته الأخيرة ظهر أحدهم على شاشات التواصل وقال مما قال :
_حرفيًا صرنا مضحكة لأمة محمّد .

صرتُ أفكر:
_هل هبطتُ على كوكب حرفيًا وأنا لا أدري؟
لماذا حرفيًا ؟ لماذا شغلت هذه المفردة بالذات هذا الحيز الكبير من معجم مفرداتنا؟
ألأننا لا نضع الكلمة في مكانها ولا نستخدمها كما يقتضيه المعنى ؟
كوصفنا لمن هام عشقاً بمحبوته قائلين (يموت عليها) ونختزل يأسنا بعبارة (لقد تعبت ) ونعاتب من طال غيابه بقول (الكلب الذي عضك طردناه)
مع أنه لا وجود لكلاب تعض في الحوار ، والعاشق لم يمت شوقًا وولهًا، ولا اليائس تعب من يأسه بل على العكس صار يتعايش معه ويساوره الخوف حبنما تضيء عالمه ومضة أمل .
وهكذا صار لزاماً أن نقول أنّ من مات مات حرفياً وليس مجازياً ، ومن عضه كلب انه حرفياً تعرض للعضّ أي أن أنياب كلب ما انغرست في لحمه ونصف من يشعر بالدوار أنه دايخ حرفياً وليس دايخ بمعنى مشتت الفكر .

ولكن ما يحصل أننا نضع حرفياً في عباراتنا للتأكيد على بعض المجازات والكنايات ،فتقول صديقتي
_حرفياً ميتة من التعب .
وتصرخ أخرى
_حرفياً الاولاد جننوني.

مع أن موت صديقتي جاء هنا مجازيًا فد كانت أمام عينيّ تنبض بالحياة،
ولا استطيع الجزم في موضوع الجنون الذي مسّ الأخرى بسبب أولادها المشاكسين فقد يكون حرفياً بالفعل …
وغيرها الكثير من الجمل المجازية التي صار الشارع العراقي يؤكدها بحرفياً

السؤال الذي أود العثور على اجابة له:
لماذا لم يتنبنى جيل حرفياً مفردة اخرى مثل جذرياً . أ لأننا لا نريد ان نتعمق في فهم جذور الاشياء مكتفين بأصوات الكلمات ودلالاتها الحرفية دون الغوص في مضامينها وجذورها ؟
ولماذا لم نُقحم (فعلياً) في زحمة مفرداتنا ونمنحها المساحة التي تستحق أم أن الفعل لا يقع ضمن طيف اهتماماتنا كوننا أمة تقول ونادراً ما تفعل …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى