التكنولوجيا

الدكتور عزة بدر تكشف لــ نورا : هكذا سيغيّر الذكاء الاصطناعي وجه الإعلام

حاورها عمر شريقي

في زمن تتسارع فيه التحولات التكنولوجية وتدخل الخوارزميات كل تفاصيل حياتنا، يبرز تساؤل ملحّ: كيف نحافظ على إنسانيتنا في عصر الذكاء الاصطناعي؟

وهل يمكن أن تبقى الأسرة متماسكة وسط هذا التدفق الرقمي؟ وهل للإعلام دور في توجيه الوعي في ظل هيمنة الآلة؟

في هذا السياق، نتحاور مع الدكتورة عزة بدر، الإعلامية والكاتبة والباحثة المصرية صاحبة البصمة العميقة في الحقل الثقافي والإعلامي، لنتناول معها بأسلوب فكري وتربوي تأثير الذكاء الاصطناعي على الإعلام والأسرة، ومآلات العلاقة بين الإنسان والآلة، في محاولة لفهم التحديات، واستشراق الحلول.
والدكتورة عزة بدر عثمان ، تحمل شهادة دكتوراه في الإعلام العربي والتنمية البشرية
وخبرة أكثر من 15 عامًا في مجال الإعلام والتدريب الدولي ، و حاصلة على أكثر من دكتوراه فخرية في تخصصها تقديراً لإسهاماتها المتميزة في مجال الإعلام العربي والتنمية البشرية.
معها نفتح نوافذ على الوعي، ونستكشف كيف يمكن أن نكون شركاء أذكياء للتقنية وأن نحافظ على دفء البيت والأسرة في عالم رقمي بارد.

** بصفتك إعلامية مخضرمة، كيف ترين تأثير الذكاء الاصطناعي على المشهد الإعلامي العربي؟
نحن أمام ثورة حقيقية تعيد تشكيل المشهد الإعلامي بالكامل. الذكاء الاصطناعي يُحدث تحولاً جذرياً في ثلاثة محاور أساسية: أولاً، سرعة إنتاج المحتوى ومعالجة كميات هائلة من البيانات في وقت قياسي، مما يتيح للإعلاميين تغطية الأحداث بشكل أسرع وأكثر شمولية. ثانياً، دقة التحليل والتحقق من المعلومات، حيث تساعد هذه التقنيات في كشف الأخبار المزيفة وتحليل الاتجاهات الاجتماعية. ثالثاً، تخصيص المحتوى وفقاً لاهتمامات الجمهور، مما يخلق تجربة إعلامية أكثر تفاعلية. لكن التحدي الأكبر في العالم العربي يكمن في ضرورة مواكبة هذا التطور دون فقدان الهوية الثقافية والقيم الأصيلة التي تميز إعلامنا العربي .

** هل ترين أن الذكاء الاصطناعي يشكل تهديدًا للمحتوى الإنساني والرسالة الإعلامية الحقيقية؟
لست أرى في الذكاء الاصطناعي تهديداً وجودياً للمحتوى الإنساني، بل أعتبره تحدياً يتطلب منا إعادة تعريف دورنا كإعلاميين. المحتوى الإنساني يحمل في طياته الروح والمشاعر والتجارب الحياتية التي لا يمكن لأي آلة أن تحاكيها. الذكاء الاصطناعي يمكنه معالجة المعلومات وتنظيمها، لكنه لا يستطيع أن يشعر بألم الأم التي فقدت ابنها في الحرب، أو فرحة الطالب الذي تخرج من الجامعة. التهديد الحقيقي يأتي من سوء الاستخدام أو الاعتماد الكامل على هذه التقنيات دون الحفاظ على البعد الإنساني. المطلوب هو التكامل الذكي بين الإمكانيات التقنية والحس الصحفي الإنساني

** ما الفرق الجوهري، في رأيك، بين المحتوى الذي يصنعه الإنسان وذلك الذي تنتجه أدوات الذكاء الاصطناعي؟
الفرق جوهري وعميق. المحتوى الإنساني ينبع من التجربة الحياتية والمشاعر والحدس والقدرة على قراءة ما بين السطور. عندما أجري مقابلة مع شخص ما، أستطيع أن أشعر بتردده، أن ألمس خوفه أو حماسه، أن أفهم النبرة والإيماءات والصمت أحياناً. هذا البعد الإنساني يضفي عمقاً وأصالة على المحتوى لا يمكن للآلة أن تحققه. المحتوى المُنتج بالذكاء الاصطناعي قد يكون دقيقاً ومنظماً ومفيداً، لكنه يفتقر إلى الروح والإبداع الحقيقي والقدرة على اللمسة الإنسانية التي تجعل المحتوى يؤثر في القلوب قبل العقول. الذكاء الاصطناعي يعالج البيانات، أما الإعلامي فيعالج الحياة بكل تعقيداتها

** كيف يمكن للإعلامي أن يتعايش ويتطور في ظل هذا التغيير السريع والتقني المتسارع؟
التكيف مع هذا التغيير يتطلب استراتيجية متكاملة تبدأ بالتعلم المستمر. على الإعلامي أن يفهم هذه التقنيات ويتقن استخدامها كأدوات مساعدة وليس بدائل. يجب أن نستثمر في تطوير المهارات التي تميزنا كبشر: التفكير النقدي، التحليل العميق، الإبداع، القدرة على بناء العلاقات الإنسانية. كما يجب أن نركز على القيمة المضافة التي نقدمها – التفسير، التحليل، وضع الأحداث في سياقها التاريخي والثقافي. الإعلامي الناجح في المستقبل هو من يستطيع أن يجمع بين الاستفادة من التكنولوجيا والحفاظ على الحس الصحفي الأصيل. التطوير المهني المستمر والانفتاح على التقنيات الجديدة مع الحفاظ على المبادئ المهنية والأخلاقية أساسيان للنجاح في هذا المجال

** هل تعتقدين أن هناك مسؤولية أخلاقية يجب أن ترافق استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في الإعلام؟
المسؤولية الأخلاقية ليست مجرد خيار، بل ضرورة حتمية. يجب أن نكون شفافين مع جمهورنا حول استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في إنتاج المحتوى. الجمهور له الحق في معرفة ما إذا كان المحتوى مُنتجاً بالكامل أو جزئياً بواسطة هذه التقنيات. كما يجب التحقق من دقة المعلومات التي تنتجها هذه الأدوات، فهي ليست معصومة من الخطأ. هناك أيضاً مسؤولية في حماية الخصوصية وعدم استخدام هذه التقنيات للتضليل أو نشر المعلومات المغلوطة. نحن بحاجة إلى ميثاق أخلاقي واضح ينظم استخدام الذكاء الاصطناعي في الإعلام، يحمي الجمهور ويحافظ على مصداقية المهنة

** في ظل سيطرة التكنولوجيا، كيف أثّر الذكاء الاصطناعي على العلاقات الأسرية؟ وهل ترين أنه عمّق الفجوة بين الأجيال؟
التأثير مزدوج ومعقد. من جهة، نرى كيف أن الذكاء الاصطناعي قد يُوسع الفجوة بين الأجيال، خاصة عندما يصبح الأطفال والشباب أكثر إتقاناً لهذه التقنيات من والديهم. هذا يخلق نوعاً من العزلة الرقمية داخل البيت الواحد، حيث كل جيل يعيش في عالمه التقني الخاص. لكن من جهة أخرى، يمكن لهذه التقنيات أن تكون جسراً للتواصل إذا استُخدمت بحكمة. المشكلة الحقيقية تكمن في أن كثيراً من الأسر لم تضع حدوداً واضحة أو قواعد للتعامل مع هذه التقنيات. نحتاج إلى حوار مفتوح بين الأجيال، حيث يتعلم الأهل من أبنائهم ويشاركونهم في استكشاف هذا العالم الجديد، والتحدي الأكبر أمام الأسرة العربية هو كيفية الاستفادة من هذه التقنيات دون المساومة على قيمنا الأساسية. أعتقد أن الحل يكمن في وضع إطار قيمي واضح يحكم استخدام التكنولوجيا في البيت.

** هل تعتقدين أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يربّي أو يوجّه الطفل في غياب الأهل؟ وما هي مخاطر ذلك؟
يجب أن نعلم أطفالنا أن التكنولوجيا أداة وليست غاية، وأن القيم الإنسانية مثل الاحترام والصدق والتواصل الحقيقي لا تتغير بتغير الأدوات. يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لتعزيز هذه القيم – مثلاً في تعلم القرآن الكريم أو تعلم اللغة العربية أو التاريخ العربي والإسلامي، وحول تربية الطفل بالذكاء الاصطناعي في غياب الأهل: هذا خط أحمر لا يجب تجاوزه. الذكاء الاصطناعي لا يمكن أن يحل محل الوالدين في التربية، مهما بلغت درجة تطوره. التربية تتطلب الحب والحضن والنظرة الحانية والكلمة الطيبة والقدوة الحية. هذه أشياء لا يمكن برمجتها أو محاكاتها. يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون أداة مساعدة تحت إشراف الوالدين – مثل مساعدة الطفل في الواجبات المدرسية أو تعليمه مهارات جديدة – لكن لا يمكنه أن يغرس القيم أو يبني الشخصية أو يعطي الأمان العاطفي. المخاطر كثيرة: فقدان الطفل للتفاعل الإنساني الحقيقي، عدم تعلم المهارات الاجتماعية، الاعتماد المفرط على التكنولوجيا، وفقدان الهوية الإنسانية والثقافية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى